على المسلم أن يستنفذ أولا كل الحلول التي شرعها الإسلام لإزالة الشقاق بين الزوجين، فإذا سلكها جميعا ولم تفد فعليه أن يوازن بين الطلاق والاستمرار.
الطرق العملية المشروعة لإزالة الشقاق بين الزوجين :
الشقاق بين الزوجين يقوض دعائم الأسرة ويزعزع استقرارها ويعرض الحياة الزوجية للخطر والانتهاء.
-فكيف عالجت الشريعة الإسلامية موضوع الشقاق بين الزوجين؟
-وهل اكتفت بما شرعته الآية الكريمة في قوله تعالى : “وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها إن يريدا إصلاحًا يوفق الله بينهما إن الله كان عليمًا خبيرا”؟
-أم أن الشريعة الإسلامية ذهبت في علاج الشقاق إلى مدى أبعد؟
والجواب : إن الشريعة الإسلامية عالجت الشقاق قبل وقوعه بمعالجة أسبابه والقضاء عليها.
فمن أسبابه.
-تعدي كل من الزوجين على حقوق الآخر.
-أو كراهة أحدهما للآخر.
-أو تشدد المرأة في استيفاء كامل حقوقها من الزوج دون مراعاة ما قد يطرأ على نفسه من تغيرات.
سبل الوقاية من الشقاق بين الزوجين :
قال تعالى: “ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة” [البقرة: 2280] فلا يجوز لكل منهما التأكيد على حقوقه فقط ومطالبة الآخر بإيفائها له كاملة غير منقوصة وعدم التفريط بها ولكنه يهمل حقوق صاحبه ولا يهتم بها ولا يقوم بها ولا شك أن هذا الصنع من الزوجين يساعد على بذر الشقاق بينهما.
قال تعالى: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا ۚ وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ۗ وَأُحْضِرَتِ الْأَنفُسُ الشُّحَّ ۚ وَإِن تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا). [ النساء : 128]. وفي تفسير هذه الآية : فإذا خشيت المرأة أن تصبح مجفوة وأن تؤدي هذه الجفوة إلى الطلاق – وهو أبغض الحلال- أو إلى الإعراض الذي يتركها كالمعلقة لا هي زوجة ولا هي مطلقة.
فليس هناك حرج عليها ولا على زوجها أن تنازل له عن شيء من فرائضها المالية أو فرائضها الحيوية. كأن تترك له جزءًا أو كلاً من نفقتها الواجبة عليه أو أن تترك له قسمتها وليلتها إن كانت له زوجة أخرى يؤثرها.
وهذا كله يكون بكامل اختيارها وتقديرها لجميع ظروفها أن ذلك خير لها وأكرم من طلاقها. والله سبحانه وتعالى يعقب بأن الصلح إطلاقًا خير من الشقاق والجفوة والنشوز والطلاق.
وإذا نشزت الزوجة بأن خرجت عن طاعته ولم تؤد حقوقه مما يؤدي إلى الخلاف والشقاق فعلى الزوج أن يسعى بجد ورغبة في إصلاح حال زوجته وله الحق في تأديبها وهو مستند في هذا الحق إلى أدلة منها :
-قال تعالى : (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا). [النساء : 34].
فللزوج حق تأديب زوجته إذ قصرت في حق الله أو قصرت في حقوقه ووسائل التأديب هي : الوعظ، الهجر في المضاجع الضرب والدليل الشرعي لشروعية هذه الوسائل هي نص الآية.
ويجب على الزوج التدرج في استعمال وسائل التأديب فيبدأ بوعظ زوجته فإن لم ينفع معها الوعظ تحول إلى الوسيلة الأخرى وهي هجرها فإن لم ينفع تحول إلى الضرب، ويبدأ بالوعظ ويكون خلوقا لينا بسيطا لا يستعمل الشدة أو الغضب أثناء الوعظ حتى لا تنفر منه زوجته وليصبر على الوعظ لعل الله يجعل له مخرجا وفرجا، ثم ينتقل إلى الهجر إذا لم ينفع وهكذا.
وبهذا التدرج قال المفسرون والفقهاء.
من أقوال المفسرين في التدرج في تأديب الزوجة :
ثانيًا : قال الإمام القرطبي في تفسيره -أحكام القرآن- : أمر الله أن يبدأ النساء بالموعظة أولاً ثم بالهجران، فإن لم ينجعا فالضرب فإنه هو الذي يصلحها له ويحملها على توفية حقه” (تفسير القرطبي “أحكام القرآن ج5 ص172” ومثله في تفسير الزمخشري ج1 ص507
من أقوال الفقهاء في التدرج في تأديب الزوجة :
ثانيًا : وقال الأمام علاء الدين الكاساني الحنفي وهو يعدد حقوق الزوج على زوجته: “ومنها ولاية التأديب للزوج إذا لم تطعه فيما يلزم طاعته بأن كانت ناشزة فله أن يؤدبها لكن على الترتيب فيعظها أولاً على الرفق واللين.. فلعلها تقبل الموعظة فتترك النشوز.. وإلا هجرها.. فإن تركت النشوز وإلا ضربها..) (البدائع ج2 ص334).