يجواز دفاع الزوجة عن نفسها إذا اعتدى عليها زوجها صائبة من حيث الأصل، مع مراعاة الضوابط التي وضعها الشرع وبينها الفقهاء للدفاع عن النفس، ومراعاة أن هذا الدفاع إنما يكون عند العدوان، وإذا تعين طريقا لمنع العدوان، ولم يترتب عليه ضرر أكبر، ولا يكون عند التأديب، فأما إذا كان يؤدبها ولم يتجاوز الحد فلا حق لها في الدفاع عن نفسها بالضرب ولا غيره، كذا إذا سبها فلا يحق لها سبه، وإذا أمكنها البعد عنه ودفع أذاه دون إساءة إليه فلا يحق لها شيء من ذلك.

وعلينا أن نوسط الأهل لفض هذه المنازعات بين الزوجين أفضل من الدخول في صراعات بين الزوجين قد تؤدي إلى انهيار الأسرة وضياع الأولاد.

يقول الدكتور : السيد صقر، المدرس بجامعة الأزهر:

إن الأصل في العلاقة الزوجية المودة والسكن ، وإن غابت المودة فلا أقل من التراحم بينهما ، كما قال تعالى : (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) الروم:21، كما أوصى الشرع الرجال بالنساء في كثير من آيات القرآن الكريم وأقوال النبي ـ ـ ومن ذلك قوله تعالى : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ) النساء:19، وحتى في حالة الفراق قال تعالى : ( فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ) البقرة:229، وقال سبحانه : (فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) الطلاق :2، وقوله ـ ـ ” استوصوا بالنساء خيرا ، فإنهن خلقن من ضلع ، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه ، فإن ذهبت تقيمه كسرته ، وأن تركته لم يزل أعوج ، فاستوصوا بالنساء خيرا ” رواه البخاري، وقال ـ ـ في حجة الوداع : ” ألا واستوصوا بالنساء خيرا ، فإنما هن عوان عندكم ، ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح ، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا . ألا وإن لكم على نسائكم حقا ، ولنسائكم عليكم حقا ، فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون ، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون . ألا وإن حقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن ” رواه الترمذي وقال : حسن صحيح.

ونهى الزوج عن كراهية زوجته فقال ـ ـ ” لا يفرك مؤمن مؤمنة . إن كره منها خلقا رضي منها آخر ، أو قال : غيره” رواه مسلم .

كما صح قوله : “إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق أكثر مما يعطي على العنف”.

ومعلوم أن الإسلام قد أثبت لكل من الزوجين حقوقا على الآخر كما ظهر في حديث حجة الوداع السابق، وكما في قوله تعالى : ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ ) البقرة:228، فحق الزوج على الزوجة أكبر من حقها عليه، والقوامة للرجال على النساء، كما قال تعالى : (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ) البقرة:34.

فإذا وقع النشوز أو خيف وقوعه من الزوجة فللزوج ردع الزوجة بالوسائل المحددة في الآية، والضرب حدده الرسول بكونه غير مبرح ، لا يكسر عظما ولا يقطع لحما ولا يسيل دما، ولا يترك أثرا ، إنما ضرب ـ ـ بالسواك.

وإن قصر الزوج فللزوجة محاولة الصلح وإشراك من يوثق به للإصلاح.

 وهذا كله في النشوز بلا عدوان .

وأما العدوان فله حكم آخر ، فإذا تعدى الزوج على زوجته بسب أو ضرب مبرح أو ما زاد عليه فقد أخطأ وتعدى حدوده.

وفي هذه الحالة فإن الزوجة قد تضطر إلى دفع الأذى عنها ومنع زوجها من الاعتداء عليها ، فإذا تجاوز الحد في التأديب وضرب ضربا مبرحا أو زاد بأن ضرب بعصا أو آلة حادة أو ثقيلة فلها الحق أن تدافع عن نفسها، وهذا ما يسميه الفقهاء بـ ” دفع الصائل ” أي المعتدي ، وقالوا :
إذا اعتدَى معتدٍ على شخص يريد أن يقتلَه، أو يأخذ ماله، أو يهتك عِرضه وجب عليه أن يدافعَ عن نفسه وماله وعِرْضه بما استطاع من قوة، وليبدأ بالأسهل والأيسر له، فيطلب منه أولاً أن يَكُف عنه ويَقِيَه شرَّه بالحكمة والموعظة الحسنة، ويناشدَه بالله تعالى أن يُخْليَ سبيلَه، فإن أبى دفعه عن نفسه بالضرب، فإن لم يندفع إلا بالقتل قتله، ولا قِصاص عليه ولا دِيَة ولا إثم لأنه مُعْتدٍ ظالم، قال تعالى: (ولَمَن انْتَصَرَ بعدَ ظُلْمِه فأولئكَ ما عليهم مِن سبيلٍ إنما السبيلُ . على الذينَ يَظْلِمون الناسَ ويَبْغُونَ في الأرضِ بغيرِ الحقِّ أولئكَ لهم عذابٌ أليم) (الشورى: 41) وعن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى رسول الله ـ ـ فقال: يا رسول الله أرأيتَ إن جاء يريد أخذَ مالي؟ قال: “فلا تُعطِهِ مالَك” قال: أرأيت إن قاتَلَني؟ قال: “فقاتِلْه” قال: أرأيتَ إن قتلني؟ قال: “فأنت شهيد” قال: فإن قتلتُه؟ قال: “هو في النار” رواه مسلم.
ولا شك أن الدفاع عن النفس أهمُّ شأنًا من الدفاع عن المال؛ ويقول النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ: “من قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون أهله فهو شهيد ومن قتل دون دينه فهو شهيد ومن قتل دون دمه فهو شهيد “رواه أحمد بسند صحيح ، وفي صحيح الجامع: ” ومن قتل دون نفسه فهو شهيد “.

حكى ابن المنذر عن الشافعي قال: من أريد ماله أو نفسه أو حريمه فله الاختيار أن يكلمه أو يستغيث، فإن منع أو امتنع لم يكن له قتاله، وإلا فله أن يدفعه عن ذلك ولو أتى على نفسه، وليس عليه عقل ولا دِية ولا كفارة. لكنْ ليس له عَمد قتله. وقال القاضي حسين : إن المصول عليه إن أمكنه دفع الصائل بغير قتله وجب عليه دفعه وإلا فلا .

فالدفاع عن النفس له خطوات مرتبة لا يجوز تجاوزها ، ذكرها الخطيب في كتابه “الإقناع ج 2ص 242″ فقال:  ويدفع الصائل بالأخف فالأخف إن أمكن، فإن أمكن دفعه بكلام أو استغاثة حُرِّمَ الدَّفع بالضَّرب، أو بضرب يد حُرِّم بسوط أو بسوط حُرِّمَ بعصا، أو بعصا حُرِّمَ بقطع عُضْو، أو بقطع عضو حُرِّمَ قتل؛ لأن ذلك جُوِّزَ للضرورة ولا ضرورة في الأثقل مع إمكان تحصيل المقصود بالأسهل.
وقال الشيخ الدردير ممزوجا بكلام خليل: وجاز دفع صائل على نفس أو مال أو حريم. والمراد بالجواز الإذن فيصدق بالوجوب بعد الإنذار ندبا كما في المحارب للفاهم أي الإنسان العاقل بأن يقول له: ناشدتك الله إلا ما تركتني ونحو ذلك أي إن أمكن كما تقدم في المحارب, فإن لم ينكف أو لم يمكن جاز دفعه بالقتل وغيره. اهـ. فالقتل هو آخر ما يلجأ إليه لدفع الصائل المعتدي.

وفائدة هذا الترتيب أنه متى خالف وَعَدَل إلى رُتْبَة مع إمكان الاكتفاء بما دونها ضَمِنَ، ويُستثنى من الترتيب ما لو كان الصائل يندفع بالسوط والعصا، والمصول عليه لا يجد إلا السيف فالصحيح أن له الضربَ به؛ لأنه لا يمكنه الدَّفع إلا به، وليس بمقصر في ترك استصحاب السوط ونحوه. وعلى هذا الترتيب إن أمكن المصول عليه هرب أو التجأ لحصن أو جماعة فالمذهب وجوبه وتحريم القتال؛ لأنه مأمور بتخليص نفسه بالأهون فالأهون، وما ذُكِرَ أَسْهَل مِنْ غَيْرِه فَلا يَعْدِل إِلى الأشد.

وهذا الدفاع جائز عند جمهور الفقهاء ، بينما أوجبه البعض ، والصحيح أنه جائز، ولا تختلف الزوجة في ذلك عن غيرها، لأن الزوجية لا تعطي الزوج حق الاعتداء على زوجته وتجاوز ما أرشد الإسلام إليه في تأديب الزوجة إن نشزت، ناهيك عن غير الناشز ، بل الزوج هو الذي يهدر حقه كزوج لأنه لم يرع حق زوجته ولم يبق على الرحمة بينهما ، ولذا فإن المعتدى عليه إن قتل المعتدي مضطرا فالمعتدي آثم ومعاقب على عدوانه ، فقد روى البخاريّ ومسلم وغيرهما أن رجلاً قال: يا رسول الله أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: ” فلا تعطه مالك ”  قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: ” قاتله”   قال: أرأيت إن قتلني؟ قال : ” فأنت شهيد” قال: أرأيت إن قتلته؟ قال : “هو في النار” . وروى النسائيّ عن أبي هريرة أن رجلاً جاء إلى رسول الله ـ ـ فقال: يا رسول الله أرأيتَ إن تَعَدَّى على مالي؟ قال: “فانشُدْ بالله” “أي فاستحلِفْهم بالله أن يتركوك وشأنَك” قال: فإن أبَوا عليَّ؟ قال: “فانشُدْ بالله” قال: فإن أبَوا عليَّ. قال: “فانشُدْ بالله” قال: فإن أبَوا عليَّ. قال: “فقاتِلْ، فإن قُتِلْتَ ففي الجنة، وإن قَتَلْتَ ففي النار”.

 ومع هذا فينبغي مراعاة عدة نقاط هامة :

استعمال هذا الحق، ليس ملزماً للمرأة بل يعود إليها تقديره، لتوازن بين النتائج الإيجابية والسلبية التي قد تترتب على استعمال هذا الحق، ومن الطبيعي أنه لا ينبغي عليها استعمال هذا الحق إن رأت أنها قد تعرض الحياة الزوجية المطلوب بقاءها للخطر، أو شعرت أنها قد تتعرض لأذى جسدي أكبر.

استعمال هذا الحق لا يلغي قوامة الزوج وإدارته للحياة الزوجية، لأن الإدارة المطلوبة من قبل الرجل لا تعني السلطة المطلقة أو العنف في التعبير عنها، بل تعني حسن تسيير الحياة الزوجية والقيام بشؤونها. فإن أساء الرجل لهذه الحياة الزوجية واستعمل سلطته المطلقة أو ممارسة العنف فيها، فإن من حق الزوجة أن تدافع عن كيانها، عندما لا تجد سلطة تقف معها، لحماية وجودها وهي عندما تواجهه لا تواجه سلطته بل تواجه إساءة استعمال السلطة. لاسيما بعد التأكيدات القرآنية على المعاشرة بالمعروف {وعاشروهن بالمعروف}.

استعمال العنف المضاد من الزوجة لا يكون مشروعاً إلا حيث لا مجال لمعالجة عنف الزوج بغير عنف مقابل، وهذا حق أجازته الشرائع السماوية وكل القيم الإنسانية.

إن الضرب الذي أجازه القران الكريم للرجل إنما جاء لمعالجة نشوز الزوجة، بل وهو وسيلة تربوية عندما تفقد كل الوسائل الأخرى فعاليتها، ويستهدف حماية الحياة الزوجية من الانهيار، وكل ذلك بشرط أن لا يكون الضرب عنيفاً مبرحاً، وإلا فهو غير جائز، وهذا “الضرب” ليس هو موضوع المشكلة التي نتحدث عنها.

لا يعني إعطاء هذا الحق للمرأة إدخال المجتمع إلى عالم الغاب، حيث يأخذ كل واحد حقه بنفسه…، ولا يعني ندية المرأة للرجل ، لأن هذا الحق أعطي في الوقت الذي لا تستطيع فيه الزوجة أن تلجأ إلى جهة أمنية أو شرعية، ولا تملك إلا أن ترد الاعتداء في وقته، وقاية لجسدها أو لكيانها القانوني والشرعي.. فكما لا يمكن القول لمن يتعرض للقتل، لا تدافع عن نفسك، أو لمن يتعرض للسرقة، لا ترد السارق، كذلك لا يمكن القول للزوجة لا تدافعي عن نفسك في مواجهة عنف زوجك.

لا يلغي هذا الحكم عنواني المودة والرحمة في الحياة الزوجية، حيث المطلوب التأكيد على المودة والرحمة المتبادلة. ولكن لا يمكن الرحمة بمن يشهر مسدساً، أو يريد مبادلة الجرح أو الإيذاء العنيف بالرحمة والتنازل، لأن مورد العنف المطلوب ردّه في الزوجة – إن رغبت – الحالة التي تتعرض فيه للخطر أو الإيذاء الشديد.

إن تأكيد الأحاديث على احترام المرأة لزوجها وحسن التبعل في العلاقة به لا تعني عدم الدفاع عن نفسها عندما تتعرض لإيذاء جسدي كبير منه.

إذا تبين هذا : فإن القول بجواز دفاع الزوجة عن نفسها إذا اعتدى عليها زوجها صائبة، مع مراعاة الضوابط السابقة ، ومراعاة أن هذا الدفاع إنما يكون عند العدوان لا عند التأديب ، فأما إذا كان يؤدبها ولم يتجاوز الحد فلا حق لها في الدفاع عن نفسها بالضرب ولا غيره، كذا إذا سبها فلا يحق لها سبه، وإذا أمكنها البعد عنه ودفع أذاه دون إساءة إليه فلا يحق لها شيء من ذلك.