انعقد الإجماع على أن الصائم يجب عليه الإمساك عن الطعام والشراب من طلوع الفجر إلى غروب الشمس ، واتفق الفقهاء على أنه يحرم الطعام والشراب على من سمع أذان الفجر في وقته المضبوط حسب التوقيت المحلي للبلد الذي يعيش فيه، أو علم بدخول وقت الفجر من خلال الساعة إذا لم يصله صوت المؤذن.
وإذا أذن المؤذن “الله أكبر” وفي فمه شيء من لقمة أو شربة ماء فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى القول بأنه لا يجوز للمسلم أن يبتلع اللقمة أو شربة الماء التي في فيه بل يجب عليه أن يخرج ما في فيه، وإذا ابتلع ما في فمه بعد سماعه الأذان بطل صومه بلا خلاف، ويجب عليه أن يمسك عن الطعام والشراب بقية يومه، كما يجب عليه قضاء هذا اليوم.
واستدلوا بحديث ابن عمر وعائشة رضي الله عنهم أن رسول الله ﷺ قال ” إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم ” رواه االبخاري ومسلم.
أما الحديث “إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه” فالحديث رواه أبو داود في سننه وصححه الشيخ الألباني –رحمه الله- والحديث لا يفيد حل الطعام والشراب بعد دخول الفجر الصادق ولكن النصوص تفسر بعضها بعضا، فهذا الحديث محمول على قوله ﷺ “إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن مكتوم” متفق عليه، ويقول صاحب عون المعبود: “يحتمل أن يكون إذنه –ﷺ- بإباحة الطعام والشراب لمن سمع الأذان وهو يشك في طلوع الصبح لكون السماء بها غيم فلا يقع له العلم بأذانه أن الفجر قد طلع لعلمه أن دلائل الفجر معدومة، ولو ظهرت للمؤذن لظهرت له أيضا.
وفي فتح الودود قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: “إِنْ صَحَّ هَذَا يُحْمَل عِنْد الْجُمْهُور عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حِين كَانَ الْمُنَادِي يُنَادِي قَبْل طُلُوع الْفَجْر بِحَيْثُ يَقَع شُرْبه قَبْل طُلُوع الْفَجْر.
وقال البيهقي: وهذا إن صح محمول عند عوام أهل العلم على أنه ﷺ علم أنه ينادى قبل طلوع الفجر بحيث يقع شربه قبيل طلوع الفجر قال وقوله إذا بزغ يحتمل أن يكون من كلام من دون أبي هريرة أو يكون خبرا عن الأذان الثاني ويكون قول النبي ﷺ ” إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده ” خبرا عن النداء الأول ليكون موافقا لحديث ابن عمر وعائشة رضي الله عنهما.
وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية:
أجمع الفقهاء على أن الصائم يجب عليه أن يمسك عن المفطرات من طلوع الفجر يوم صومه حتى تغرب الشمس ويتأكد من غروبها ، لقوله تعالى: { ثم أتموا الصيام إلى الليل }.
واتفق الفقهاء على أنه إذا طلع الفجر وفي فيه طعام أو شراب فليلفظه ، ويصح صومه . فإن ابتلعه أفطر ، وكذا الحكم عند الحنفية والشافعية والحنابلة فيمن أكل أو شرب ناسيا ثم تذكر الصوم ، صح صومه إن بادر إلى لفظه . وإن سبق شيء إلى جوفه بغير اختياره ، فلا يفطر عند الحنابلة ، وهو الصحيح عند الشافعية . وأما المالكية فقالوا : إذا وصل شيء من ذلك إلى جوفه – ولو غلبه – أفطر .
وذهب بعض العلماء ومنهم ابن عثيمين إلى الأخذ بالحديث والعمل به فقال: هذا دليل على أنه إذا أذن والإناء في يده فلا بأس أن تشرب، أما أن تأخذ من الأرض بعد الأذان وهو قد أذن على طلوع الفجر فلا تأخذه.
وأجاب ابن عثيمين عن الحديث الصحيح من رواية أبي هريرة مرفوعاً: (إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه) زاد أحمد وغيره بسند صحيح على شرط مسلم: (وكان المؤذن يؤذن إذا بزغ الفجر) ، فقال:
أنا عندي أن هذا الحديث موجَّه على أحد وجهين: الوجه الأول: إما أن يكون المؤذن يؤذن بالتحري، والذي يؤذن بالتحري قد يصيب وقد لا يصيب، كالمؤذنين عندنا الآن.
والوجه الثاني: أن يكون ذلك بالتأذين من المؤذن عن يقين، ومشاهدته للفجر؛ ولكن هذا من باب الرخصة، لما كان الإنسان رفع الماء ليشرب، تعلقت به نفسه، ولهذا لو كان في الأرض لا تحمله، لا ترفعه من الأرض، بل لابد أن يكون في يدك، وإلَاّ كانت النفس قد تعلقت بهذا الماء الذي رفعه، كان من رحمة الله عزَّ وجلَّ أن يقضي الإنسان نهمته منه، كما لو حضر الطعام والإمام يصلي فإنك تأكل من الطعام، ولو فاتتك الصلاة، فتُسقط بذلك واجباً؛ لأن نفسك متعلقة بهذا الطعام الذي قُدِّم بين يديك.
فالحديث لا يخرج عن أحد هذين الوجهين.
قالالألباني: (فيه دليلٌ على أن من طلع عليه الفجر وإناء الطعام أو الشراب على يده أنه يجوز له أن لا يضعه حتى يأخذ حاجته منه فهذه الصورة مستثناة من الآية: (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر)، فلا تعارض بينها وما في معناها من الأحاديث وبين هذا الحديث ولا إجماع يعارضه بل ذهب جماعة من الصحابة وغيرهم إلى أكثر مما أفاده الحديث وهو جواز السحور إلى أن يتضح الفجر وينتشر البياض في الطرق) ((تمام المنة في التعليق على فقه السنة)) (1/ 417).
جاء في «الموسوعة الفقهية الميسرة في فقه الكتاب والسنة المطهرة» (3/ 275):
«فهذه الصورة مستثناة من الآية: {وكلوا واشربوا حتى يتبيّن لكم الخيطُ الأبيض من الخيط الأسود من الفجر}.
فلا تعارُض بينها وما في معناها من الأحاديث؛ وبين هذا الحديث، ولا إِجماع يعارضه، بل ذهب جماعة من الصحابة وغيرهم إِلى أكثر ممّا أفاده الحديث، وهو جواز السّحور إِلى أن يتضح الفجر، وينتشر البياض في الطرق».