يقول الشيخ جعفر أحمد الطلحاوي :
الحديث الوارد في فضل صلاة الجماعة يشمل الجماعة في المسجد وفي غيره؛ إذ النص:( صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة) ، فصلاة الجماعة في غير المسجد لها فضلها، إلا أن الجماعة إذا أديت في المسجد كان ذلك مدعاة لمزيد من الأجر من حيث التطهر في البيت والمشي إلى المسجد، فلا يرفع قدمه إلا رفع درجة ولا حط قدمه إلا حطت عنه خطيئة، والاعتكاف في المسجد وانتظار الصلاة ، ودعاء الملائكة بالمغفرة والرحمة لمن يكون في انتظار الصلاة ، كل هذا وغيره يزداد به أجر صلاة الجماعة في المسجد، فمن أدى الجماعة في غير المسجد فقد حرم نفسه وبخل عليها بهذه الأوجه لزيادة الأجر (انتهى).
أما عن الأحاديث الواردة في فضل الجماعة وشرحها فهي كالتالي:ـ
-عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله قال رسول الله ﷺ: ( صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته وصلاته في سوقه بضعا وعشرين درجة وذلك أن أحدهم إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى المسجد لا يريد إلا الصلاة فلم يخط خطوة إلا رفع له بها درجة وحط عنه بها خطيئة حتى يدخل المسجد فإذا دخل المسجد كان في الصلاة ما كانت الصلاة هي تحبسه والملائكة يصلون على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلى فيه يقولون اللهم ارحمه اللهم اغفر له اللهم تب عليه ما لم يؤذ فيه ما لم يحدث فيه ) رواه الإمامان البخاري ومسلم وغيرهما.
وقد اختلف العلماء في المقصود بالصلاة في غير المسجد والتي تفضلها جماعة المسجد ، فقال بعضهم: هي صلاة المنفرد ، وقال آخرون هي الصلاة خارج المسجد ولو في جماعة.
ولكن الراجح أن الصلاة المفضولة عن صلاة المسجد هي صلاة المنفرد ، ومن صلى جماعة في بيته مع أهله أو ضيفه فله أجر الجماعة ، ولكن هذا الأجر لا يساوي أجر الجماعة في المسجد ، كما أن الجماعة خارج المسجد خير من صلاة المنفرد.
قال ابن حجر في (فتح الباري ، شرح صحيح البخاري):قوله: ( في بيته وفي سوقه ): قال ابن دقيق العيد:
مقتضاه أن الصلاة في المسجد جماعة تزيد على الصلاة في البيت وفي السوق جماعة وفرادى , والذي يظهر أن المراد بمقابل الجماعة في المسجد الصلاة في غيره منفردا , لكنه خرج مخرج الغالب في أن من لم يحضر الجماعة في المسجد صلى منفردا , قال : وبهذا يرتفع الإشكال عمن استشكل تسوية الصلاة في البيت والسوق . انتهى كلام ابن دقيق.
يقول ابن حجر: ولا يلزم من حمل الحديث على ظاهره التسوية المذكورة بين البيت والسوق , إذ لا يلزم من استوائهما في المفضولية عن المسجد أن لا يكون أحدهما أفضل من الآخر , وكذا لا يلزم منه أن كون الصلاة جماعة في البيت أو السوق لا فضل فيها على الصلاة منفردا , بل الظاهر أن التضعيف المذكور مختص بالجماعة في المسجد , والصلاة في البيت مطلقا أولى منها في السوق لما ورد من كون الأسواق موضع الشياطين , والصلاة جماعة في البيت وفي السوق أولى من الانفراد . وقد جاء عن بعض الصحابة قصر التضعيف إلى خمس وعشرين ـ أو سبع وعشرين ـ على التجميع , وفي المسجد العام مع تقرير الفضل في غيره.
وقال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم : وله ﷺ : ( صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته , وصلاته في سوقه بضعا وعشرين درجة ) المراد صلاته في بيته وسوقه منفردا هذا هو الصواب , وقيل فيه غير هذا , وهو قول باطل نبهت عليه لئلا يغتر به . والبضع – بكسر الباء وفتحها – وهو من الثلاثة إلى العشرة هذا هو الصحيح ، والمراد به هنا خمس وعشرون وسبع وعشرون درجة , كما جاء مبينا في الروايات الأخرى .
وفي (عون المعبود شرح سنن أبي داوود):
وقوله: (على صلاته في بيته): أي على صلاة المنفرد , وقوله في بيته قرينة على هذا ، إذ الغالب أن الرجل يصلي في بيته منفردا (انتهى).