يقول الدكتور عبد العزيز دخان في بحث له نشر بمجلة الفقه السياسي: :
قد احتوى كتاب “هرمجدون” بعض القضايا والأحكام التي يجب التّنبيه عليها وبيان خطر الانحراف فيها.
ويمكن إجمال ذلك فيما يلي :
1 ـ
المبالغة والتّهويل واستغلال العاطفة والإثارة في قضايا تحتاج إلى دراسة هادئة علمية يكون الاحتكام فيها إلى الدّليل الصّحيح من الكتاب والسّنة، ولا حاجة لكثرة الضّجيج والعجيج والمناداة بالويل والثّبور وعظائم الأمور، فهذا منهج لم يخدم قضايانا بالأمس ولن يخدمها في الحاضر أو المستقبل.
2 ـ الاعتداء على قواعد المحدّثين في توثيق النّصوص ونقد الأقوال وتصحيح الأحاديث وتوثيقها، والتّلبيس على المسلمين في بعض هذه القواعد وتقريرها بشكل غير صحيح.
3 ـ الاعتماد على مراجع نبّه العلماء المعتمدون على ضعف ما فيها من الأحاديث والأخبار.
4 ـ الخطأ في الاستدلال ببعض مواقف الصّحابة في هذه المسائل والقضايا.
5 ـ نشر روح التّواكل بين أبناء المسلمين، انتظارا للقادم الذي يخلّصهم ممّا هم فيه.
6 ـ الدّعوة إلى العزلة المذمومة السّلبية التي لا تعني في النّهاية سوى الهروب من الواقع وإفساح المجال لأهل الفساد ليعيثوا في الأرض فسادا.

وهذه تفصيل ما أجمل في النقاط السابقة:

توسّع المؤلّف في إيراد الأحاديث الضّعيفة والاستدلال بها ممّا يدلّ على جهله بقواعد المحدّثين وما وضعوه من الضّوابط لتمييز صحيح الأحاديث من سقيمها، لأنّه لا يكفي أن يكون الحديث مرويا في بعض كتب الحديث ليجوز الاحتجاج والعمل به، بل لا يعمل بالحديث حتّى تثبت صحّته.

وقد أراد المؤلّف أن يلبّس على النّاس الذين ليس لهم علم بالحديث وقواعده، فذهب يستدلّ بجملة أحاديث من كتاب الفتن لنعيم بن حمّاد، بل جعله عمدته في ذلك، وكان يشير في أكثر من موضع إلى أنّ نعيم بن حمّاد شيخ البخاري، وكأنّه أراد أن يجعل ذلك سببا لتوثيقه، وفي هذا الكلام من الأخطاء ما يلي:

1 ـ اعتماده على كتاب الفتن لنعيم بن حمّاد، فهو كتاب غير معتمد، وقد نبّه العلماء إلى أنّ غالب أسانيده ضعيفة، بل إنّ بعضها من الضّعف الشّديد بحيث لا يجوز الاحتجاج بها بحال من الأحوال.

2 ـ ثمّ إنّ نعيم بن حمّاد نفسه ضعيف، رغم أنّه أحد شيوخ البخاري، فشيوخ البخاري ليسوا كلهم ثقات، فقد كانت عادة العلماء قديما أن يأخذوا عن جميع الشّيوخ لأغراض متعدّدة مذكورة في كتب العلماء، ولكنّهم إذا أرادوا أن يحدّثوا عنهم تخيّروا من حديثهم ما ثبتت صحّته، ولذلك لم يرو البخاري شيئا من هذه الأحاديث في صحيحه.

وقد راح المؤلّف غفر الله له يستدلّ بأحاديث غاية في الضّعف، بل لو قلنا إنّها موضوعة ما جانبنا الصّواب.

-من ذلك حديث نعيم بن حمّاد في كتاب الفتن:” يكون صوت في رمضان ومعمعة في شوّال وفي ذي القعدة تجاذب القبائل…” الخ .

-وحديث آخر ” إذا كانت صيحة في رمضان فإنّه يكون معمعة في شوّال …” (ص80) .

وقد تطوّع بعض المغفّلين _إذا أحسنّا الظنّ بهم _ فكتبوا هذين الحديثين وراحوا ينشرونهما على النّاس في رمضان الماضي، بل وخطب بها بعض الواعظين في المساجد، وانتظر العامّة ذلك فلم يقع شيء من ذلك، لا في رمضان ولا في شوّال ولا فيما بعده.

وكنت قد سئلت يومها من بعض طلاب العلم عن قيمة هذه الأحاديث فقلت لهم : هذه أحاديث ضعيفة جدّا أو موضوعة لا ينبغي التّعلّق بها و التّعريج عليها و الالتفات إليها، ولا ينشغل بها إلاّ حاطب ليل جاهل بعلم الحديث يهرف بما لا يعرف ويحسب كلّ مدوّر رغيفا، فأسانيد هذه الأحاديث لا تخلو من كذّاب أو متروك، لا يصحّ الاحتجاج بحديثهم بحال من الأحوال، فليحذر المسلمون من مثل هذا.

ويكفي للتّدليل على حقيقة وقيمة هذه الأحاديث التي أوردها المؤلّف –غفر الله له- أن نبيّن ـ على سبيل التّمثيل ـ درجة هذا الحديث الذي أورده.

-فقد روى هذا الحديثَ الحاكمُ في المستدرك وأبو نعيم في ذكر أخبار إصبهان، وفي إسناده مسلمة بن علي الخشني أبو سعيد الدّمشقي البلاطي، وهو راو ساقط متروك، وهذا بعض كلام العلماء فيه:
-قال الذّهبي:” ساقط، متروك”،

-وقال النّسائي والدّارقطني والبرقاني والجوزقاني والأزدي وابن حجر:” متروك”.

-وقال الحاكم أبو أحمد :” ذاهب الحديث”.

-وقال يعقوب بن سفيان:” لا ينبغي لأهل العلم أن يشغلوا أنفسهم بحديثه”.

-وقال ابن حبّان:” كان يقلّب الأسانيد، ويروي عن الثّقات ما ليس عندهم ولا من حديثهم، فلمّا فحش ذلك بطل الاحتجاج به”.

قلت: ومن كان ذا شأنه، فحديثه موضوع ولا ريب، ولذلك روى ابن الجوزي هذا الحديث في كتاب الموضوعات من طرق، ثمّ قال:” هذا حديث موضوع على رسول الله –صلّى الله عليه وسلّم- ” .ثمّ بيّن تساقط تلك الطّرق، فلا يخلو طريق منها من كذّاب أو متروك أو مجروح ضعيف أو انقطاع في السّند .

وإنّ من الدّقة و الأمانة العلمية والنّصيحة لهذه الأمّة عند الحديث عن الفتن والملاحم ألاّ نعتمد على أحاديث ليس لها أسانيد صحيحة أو مخطوطات قديمة لا يعرف أحد قيمتها العلمية . إنّ من شأن هذا كلّه التّلبيس على الأمّة ودفع أبناء الإسلام إلى أعمال ارتجالية لا تؤمن عواقبها أو زرع روح التّواكل، انتظارا لمجيء المهدي الذي لم يعد يفصلنا عنه إلاّ سنتان أو ثلاث كما جزم بذلك المؤلّف غفر الله له.

3- لقد أراد المؤلّف أن يستدلّ على مشروعية وصحّة ما فعله من تنزيل هذه الأحاديث على وقائع معيّنة فذكر أنّه سوف يسوق أثرا واحدا – ولعلّه لم يجد غيره- يبيّن جواز تنزيل الأحاديث على الواقع المعيّن وجواز الحلف على غلبة الظنّ، ثمّ ذكر الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه بسنده عن محمد بن المنكدر ( انظر ص 48 من الكتاب) .

والجواب على هذا أنّنا لا ننازع المؤلّف في جواز تنزيل الأحاديث على واقع معيّن إذا توفّرت شروط ذلك، رغم أنّ هذا كلّه مسألة اجتهادية، و الرّأي فيها يصيب ويخطئ ويحمد ويذمّ، ولكنّ هذا يكون مقبولا – أو محترما على الأقلّ- عندما تكون هذه الأحاديث صحيحة، والأمر ليس كذلك، فإنّ جميع الأحاديث التي فيها التّصريح بتحديد أزمنة أو أمكنة لفتن الملاحم و الفتن ممّا بنى عليه المؤلّف أحكامه هي أحاديث لا تصحّ. أمّا ما ورد عن عمر بن الخطّاب وحلفه على أنّ ابن صيّاد هو الدّجال فقد كان ذلك أمام المعصوم – صلّى الله عليه وسلّم- فالحديث الذي نزّله عمر بن الخطّاب على واقع ابن صيّاد صحيح، ورغم ذلك فقد تبيّن فيما بعد أنّ ابن صيّاد ليس هو الدّجال.

ومن جهة أخرى فقد كانت بعض استدلالات المؤلّف تعوزها الدّقة العلمية و النّظرة الفقهية السّليمة.

-ومن الأمثلة على ذلك استدلاله بحديث :” ستصالحكم الرّوم صلحا آمنا فتغزون أنتم وهم عدوّا من ورائهم فتنصرون وتغنمون وتسلمون … “الخ .

وهذا الحديث صحيح، وهو خبر المعصوم – صلّى الله عليه وسلّم – عن القتال الذي سيكون بين المسلمين والرّوم قبل قيام السّاعة، ولكنّ المؤلف يريد أن يستعجل السّاعة، لذلك يأبى إلاّ أن ينزّله على أوضاعنا اليوم.

4- هل يعقل أن يكون من أهمّ استدلالات المؤلّف في تقريره هذه المسائل الكبيرة اعتماده على رؤيا امرأة مجهولة لا يعرفها أحد، وقديما قال عمر بن الخطّاب – رضي الله عنه- :” لا ندع كتاب ربّنا لقول امرأة …” ، وهي صحابية معروفة، فكيف يريد هذا المؤلف أن يقنعنا بسلامة عقله فضلا عن سلامة أدلّته واجتهاداته ؟ وقد تكرّر منه هذا مرّتين ( ص15/ ص56) ، ممّا يدلّ على أنّه لا يرى مانعا من الاستدلال بالرّؤى والأحلام والأوهام لتقرير هذه الحقائق الخطيرة التي تتعلّق بنهاية الدّنيا، ومن المضحك أنّ رجلا مجهولا اتّصل به عبر الهاتف وأثنى على كتابه فأعجبه هذا الثّناء فجعله من ضمن أدلّته. أليس هذا منتهى السّذاجة ؟! أن تذكر رؤيا رجل لا تعرفه و لا يعرفك؟ !!

5- وأخيرا يخلص الأستاذ وهو ينصح أبناء المسلمين إلى وجوب العزلة ولزوم البيوت وإعداد الطّعام انتظارا لقدوم الفتن والأزمات ومجيء المهدي المنتظر، وأظنّ أنّ هذا الكلام لو بلغ مسامع عامّة المسلمين وفهموه لأحدثوا أزمة اقتصادية خانقة ولحدث من الاضطراب والفوضى ما لا يعلم آثاره إلاّ الله تعالى!
وإنّ المؤلّف يكرّس بهذا الكلام – للأسف الشديد- عقلية التّواكل والسّلبية التي نعاني منها أصلا، فما على أبناء المسلمين في رأي حضرة المؤلف إلاّ أن يمارسوا العزلة في البيوت والجبال، ويفسحوا المجال لأهل الفساد ليعيثوا في الأرض فسادا، حتّى إذا جاء المهدي لم يجد أحدا !

ونحن نقول للمسلمين جميعا: بل الواجب في مثل هذه الأحوال هو الاتّصال بالعلماء وسؤالهم ومرافقتهم فإنّهم صمام الأمان بإذن الله تعالى عند كلّ فتنة، والواجب أيضا هو الانطلاق في رحاب المجتمع لنشر الخير والفضيلة وتعليم النّاس وإرشادهم فإنّ هذا هو الواجب المتعيّن، وهو الذي كلّفنا به شرعا، فمن مات في هذه السّبيل فقد وقع أجره على الله تعالى، ومن عاش حتّى يدرك المهدي كان من أنصاره وأعوانه.

أمّا العزلة التي يدعو إليها المؤلف فهي سبب من أسباب الشرّ وحظ من حظوظ النّفس وعذر أقبح من ذنب ووسيلة الشّيطان للاستحواذ على قلب المؤمن.

ولم يعهد في علمائنا السّابقين على مرّ العصور وكرّ الدّهور أن مارسوا هذا النّوع من العزلة التي يدعو إليها حضرة المؤلف، وهذه مآثرهم وأمجادهم وسجلّهم الحافل وتراثهم الماثل يشهد بذلك، فلم يزالوا مختلطين بالنّاس فيحصّلون منافع الاختلاط من حضور الجمعة والجماعة والجنائز وعيادة المرضى وتعليم النّاس وإرشادهم وبذل النّصيحة لأئمّة المسلمين وعامّتهم، وغير ذلك من المصالح التي يكون بعضها من فروض الكفاية، وكثير منها من فروض الأعيان.

إنّ العزلة الحقيقية إنما تكون عن الشّرّ وأسبابه ودواعيه وما يؤدّي إليه ويوقع فيه، وهي عزلة شرعية تقيّدها الضّوابط الشّرعية وتفرضها المصالح المرعية: عندما لا يجد المسلم فرصة لقول كلمة أو تعليم جملة أو نشر خير أو دفع شرّ، وليس زماننا بهذا السّوء الذي يريد المؤلف أن يصوّره لنا، فما زال الخير يتدفّق في جوانب المجتمع وما زال أهل الخير حكّاما ومحكومين يسهرون على نشر الخير ورعاية الفضيلة، ومازال المجتمع يحبّ ذلك ويقبله، رغم كل الظواهر السّلبية التي نراها ونعيشها.

والمقصود هنا أن يحذر المسلم من إسقاط أحاديث الفتن والملاحم على واقعه إسقاطا يمنعه من العمل ويدفعه إلى العزلة المذمومة، بل الواجب عليه أن يستقبل كلّ حوادث دهره ونوازل عصره باعتبارها جزءا من قضاء الله وقدره فيغالبها بقضاء الله وقدره، تماما كما يفعل في مواجهة الأمراض والمحن والابتلاءات التي يقدّرها الله على عباده.

وأخيرا فهذه أوراق كتبتها على عجل بالقدر الذي يسمح به الوقت للرّدّ على بعض ما جاء في كتاب “هرمجدون” نصيحة لله ورسوله وللمؤمنين، ولم نقصد من ذلك إلاّ بيان ما نراه حقّا، وتوضيح ما وقع في هذا الكتاب من أخطاء حتّى يحذر النّاس منه، ولو ترك الأدعياء مثل هذا المؤلف وأمثاله يتطاولون على النّصوص ويهدمون قواعد علوم الشّريعة لما بقي شيء يرجع النّاس إليه ويصدرون عنه.انتهى

و يقول د. الشريف حاتم العوني عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى:
الكتاب المذكور كتاب خطير، مليء بالجهل والافتراءات على نبينا – صلى الله عليه وسلم – ومنهجه مبني على الاعتماد على كل شيء، وعلى ليِّ أعناق النصوص لتوافق الواقع … إلى غير ذلك من أنواع الخطأ الكبيرة والضلال المبين.

ويجب الحذر من هذا الكتاب، والتحذير من كاتبه ومقاطعة كل ما يكتبه ويؤلفه بعدم الشراء؛ لأن ذلك يردعه هو وأمثاله من أن يتاجر بدين الأمة، ومن أن يستخف بعقول المسلمين. انتهى

ويقول فضيلة الشيخ عبد الخالق الشريف ـ أحد علماء مصر بقوله :

هذا الكتاب مما لُبِّس فيه الحق بالباطل، وهو كتاب يدعو إلى الزيغ والضلال، لا إلى الهداية والرشاد، وعفا الله عنا وعن كاتبه، وفي هذه الإجابة السريعة أبين أن كتاب الفتن لأبي عبد الله نعيم بن حماد، كتاب جُرِّح صاحبه عند أهل الحديث بسببه، ولا يقبل، وأما باقي الكتب فهي تحوي من الأحاديث ما يقبل وما لا يقبل عند أهل هذا العلم.

ولقد أتى هذا المؤلف بأحاديث مجملة وهي صحيحة، عن بعض الأمور الغيبية التي أشار إليها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، مثل حديث حذيفة أنه حدثهم يومًا حديثًا طويلاً عما هو كائن، ثم يقول حذيفة: فحفظنا ما حفظناه ، وجهلنا ما جهلناه.

فإذا كان حفظ من حفظ ما قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، و نسي من نسي، فما دليل ذلك على التفاصيل التي أوردها في ورقة لا نعلم لها قدمًا من ساق، ولا وجهًا من ظهر ؟! فما سند هذه الورقة؟! ولماذا ظهرت في هذه الأيام تحديدا ؟!

والمتتبع لأحاديث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الصحاح وكتب السنة وغيرها من الدواوين المعتمدة عند أهل الحديث، لا يجد أحاديث مفصلة على مثل ما جاء في هذه الورقة السحرية العجيبة.

إننا نرى دائمًا أحاديث رسول الله ترشدنا في أمور الغيبيات إلى إجماليات، ويأمرنا بأن نتعامل معها كأنها واقع حالاً، فكان يقول : يا أبا هريرة إذا لقيت ابن مريم فأقرئه مني السلام، وكان يقول عن الدجال: فإن يظهر وأنا بين ظهرانيكم فأنا حجيجكم، وإن يظهر بعدي فكل حجيج نفسه.

وعلامات الوضع والكذب الصريح على رسول الله واضحة في هذه الورقة التي لا يصدق نسبها لرسول الله إلا رجل أبله، مختل العقل، لا يفقه شيئًا عن الأحاديث وضوابط روايتها.

و كلمة هرمجدون لم تعرف إلا في الكتب اليهودية، وهو العهد القديم الذي يسمونه، وهو كتاب نعلم أنه قد دخل عليه من التحريف ما كشف عنه القرآن العظيم “يحرفون الكلم عن مواضعه” “ويشترون به ثمنًا قليلاً” انتهى