اختلف الفقهاء في مسألة نقل الميت بعد دفنه:

-فذهب الحنفية إلى القول بالمنع مطلقا.

-وذهب الشافعية إلى جواز نقله لضرورة كما لو دفن دون أن يغسل.

-وذهب المالكية إلى جواز نقله لمصلحة كدفنه مع أهله.

-وذهب الحنابلة إلى جواز نقله إذا كان هناك عذر شرعي.

يقول فضيلة الدكتور محمود عبد الله العكازي -أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر-:

قال الله ـ تعالى ـ في محكم كتابه: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) وتكريم الله للإنسان ليس مقصورًا على حال حياته فقط، بل إنه تكريم له حال حياته وبعد مماته؛ فلهذا شُرعت صلاة الجنازة عليه، كما شرع غسله، وتكفينه، ومواراة جسده التراب، وهكذا.

وبالنسبة لحكم نقله من قبره الذي دُفن فيه إلى قبر آخر فإن ذلك محل اختلاف بين الفقهاء على ما يلي:

قال الحنفية: لا يجوز النقل بعد الدفن مطلقًا لأي سبب من الأسباب، ولا يجوز كسر عظامه، ولا تحويلها، ولا يُنبش قبره مهما طال الزمان.

وقال الشافعية: لا يجوز النقل بعد الدفن إلا لضرورة، كأن يُدفن دون أن يُغسَّل – ما لم يكن من الشهداء – أو يُدفن في أرض أو ثوب مغصوبين مثلاً؛ لأن نبش القبر بعد إغلاقه فيه إهدار لكرامة الإنسان، وغالبًا ما يؤدي ذلك إلى كسر عظام الميت، وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك بمثل قوله: “كسر عظم الميت ككسر عظم الحي في الإثم”.

وقال المالكية: يجوز نقل الميت من مكان إلى آخر بشرط أن لا ينفجر حال نقله، وألا تُنتهك حرمته، وأن يكون النقل لمصلحة كأن يُخاف عليه أن يأكله البحر أو السبع، أو ليُدفن بين أهله، أو لأجل قرب زيارة أهله.

وقال الحنابلة: يجوز نقل الميت لغرض صحيح وعذر مقبول شرعًا إلا الشهيد إذا دُفن بمصرعه، فلا يُنقل عنه لقبره؛ لأن دفنه في مكان استشهاده سُنة.

وبعد: فإن هذه الأقوال كلها تلتقي في ضرورة احترام الميت، وتحرص على إبقائه في مكانه، فهو الأصل، ولكن لا مانع من النقل عند الجمهور لضرورة أو مصلحة أو غرض صحيح قبل الدفن.

أما النقل بعد الدفن فإني أميل إلى أن بقاء المتوفى في قبره أولى من نقله منه.