يقول الدكتور محمد البهي-رحمه الله- :

المادية هي اتِّجاه في الحياة يُؤمن بالدنيا وَحدها ويُنكر الآخرة.. ولا يُحرِّم ما حرَّم الله ورسوله.

والمادي هو ذلك الإنسان الذي يستحلُّ لنفسه في الحياة سَفْكَ الدماء في سبيل تحقيق هدَفه ، ويَرى على وجه العُموم أن الغاية تُبرِّرُ الوسيلة.

والمادية هي صِنْوُ الجاهلية التي وردت في القرآن وجاء في وَصْفِ الجاهليينَ قوله تعالى: (كَلَّا بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَّمًّا وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا) (الفجر: 17 ـ 20) ، فالقرآن الكريم يصفُ هنا الجاهليين بالأنانية، أي بالتفكير في الذات وحدها، ولو كان على حساب الآخرينَ، فيَصفهم بعدم العطف على اليتيم.. وبعدم مُعاونة صاحب الحاجة وهو المِسكين.. وبمَنْعِ الضعفاء وهم النِّساءِ والصغار، مِن حصولهم على حقِّهم في الميراث وبحُبِّهم الشديد للمال وافتتانهم بجَمعه فهم يَعيشون للذات وحدها ، كما يَصفهم بأن غايتهم في الدنيا هي الاستمتاع بالمُتع المادية وحدها في غير حَيْطَةٍ فيقول: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ) (محمد: 12) ، ولحِرْصهم على الدنيا وحدها يَحرصون على تشويه رسالة الله ويَصدُّونَ الآخرين عن اتباعها ، (الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُوْلَـئِكَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ). (إبراهيم: 3).

أما الروحية فهي القيم الإنسانية التي تقوم عليها الروابط بين الأفراد في الأسرة وفي المجتمع على السواء هي روابط المحبة، والمودة، والتعاون، والمشاركة.. والاعتراف بالمساواة في الاعتبار البشري، ورعاية أصحاب الحاجة.. إلى غير ذلك مِن المعاني التي تُصور المستوى الإنساني في العلاقات بين الناس بعضهم ببعض ، والمادية..

والروحية: اتجاهانِ مُتقابلانِ، أحدهما وهو المادية لا إنساني.. والآخر هو الروحية: إنساني.

ورسالة الإسلام تقوم على التبغيض في المادية، وإنكار اتجاهها في حياة الناس بينما تحرص كل الحرص على الترغيب في الروحية، وفي خلْق جوٍّ إنسانيٍّ يعيش فيه الناس بعضهم مع بعض. وإذ يقول الله تعالى: (الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ). (إبراهيم: 1) ، فإنه يقصد بالنور وبصراط العزيز الحميد المستوى الإنساني في العلاقات بين الناس بينما يقصد بالظلمات طريق الجاهلية أو المادية.