يقول الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر الأسبق-رحمه الله- :

متى تزوَّجت المرأة أصبحت شريكةً لزوجها في الحياة الجديدة، وصار له عليها حقوق يجب عليها أن تُؤَدِّيَها ولا تُقَصِّر فيها، وإلا كانت مسئولةً عنها أمام الله تعالى.

أخرج ابن حبان في صحيحه، عن النبي ـ ـ: “والذي نفسي بيده، لا تُؤَدِّي المرأةُ حقَّ ربها حتى تؤدي حق زوجها. وفي الحديث الشريف يقول رسول الله ـ ـ: “لو أمرتُ أحدًا أن يسجد لأحد لأمرتُ المرأةَ أن تسجُدَ لزوجها”، وللوالد على ابنته كذلك حق البِرِّ والصِّلَة. قال ـ تعالى ـ: (وَقَضَى ربُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالوَالِدَيْنِ إِحْسانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الكِبَرَ أحدُهُما أو كِلاهُما فَلَا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ ولا تنهَرْهُما وقُلْ لهُما قَوْلًا كريمًا. واخفِضْ لهما جَناحَ الذلِّ من الرحمةِ وقلْ رَبِّ ارحَمْهُما كمَا رَبَّيَاني صغيرًا).

ومتى كان الجميع في محبة وائتلاف، أمكن تحقيق رغبة الزوج ورغبة الأب، وأداء حقهما معًا ما دام الهدف هو مصلحة الأسرة.

تعارض حق الزوج مع حق الوالدين:

إذا تعارضت الرغَبات فعلى المرأة أن تُطيع زوجها في غير معصية لله تعالى، وتتلطَّف في الاعتذار للأب من غير أن تَقْطَع الرحم التي أمر الله بها أن تُوصَل، وعلى الوالد كذلك أن يُراعي ظروف ابنته ويكون مُعينًا لها على استقرار حياتها الزوجية، وعلى الزوج أن لا يمنع زوجته عن القيام بحقوق والديها ما دام ذلك لا يُضِرُّ بحقه ولا يُفَوِّت عليه مصلحة هامة تخُصُّه.

هل يسقط حق الوالدين بعد زواج ابنتهما:

لا يسقط حق الوالدين على المرأة بزواجها، فيلزمها البر والصلة والإحسان كما كان قبل زواجها.

غاية الأمر أن طاعتها لزوجها تقدم على طاعتها لوالديها عند التعارض.

قال الإمام أحمد رحمه الله في امرأة لها زوج وأم مريضة : طاعة زوجها أوجب عليها من أمها إلا أن يأذن لها.

والحكمة في ذلك بأن المرأة بعد زواجها تنتقل إلى بيت زوجها وطاعته، وتنشأ بينهما حقوق مشتركة، من الاستمتاع، والنفقة، وتربية الأولاد، والقيام بالبيت، وقد جعل الله القوامة للرجل في بيته، فهو القائد والموجه، وهذا يقتضي أن تكون الطاعة له.

وروى ابن حبان عن أبي هريرة قال : قال النبي : “إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحصنت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها : ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت )”. صحيح الجامع.

لماذا تقدم طاعة الزوج على الوالدين الذين تعبا في تربية الفتاة:

الواجب تقديم طاعة الزوج على طاعة الوالدين، لأن الزوج أصبح القائد المباشر، والموجه القريب. فلو تخيلنا أن الزوج يأمر زوجته بالبقاء في البيت، ويأمرها بنفس الوقت والدها بالخروج، أو العكس، أو يمنعها زوجها من زيارة أحد، فيأمرها والدها بزيارته، فإن استجابت الزوجة لوالدها وعصت زوجها، ساءت علاقتها بزوجها، وأدى ذلك إلى تنغيص عيشهما وربما أدى إلى فراقهما.

وليست القضية أن الأبوين تعبا في التربية والتضحية ثم تذهب البنت فتطيع غيرهما، فإنه على هذا المنطق يقال: لماذا تتزوج وتفارق والديها وقد تعبا في تربيتها ؟ حتى إذا ما كبرت ذهبت إلى الغريب وتركتهما؟!

إن الوالدين المدركين لسنة الحياة ولضرورة وأهمية الزواج لبنتهما، يدركان أنه لا بد من مفارقتها لهما بعد سنوات التربية والتضحية، ويدركان أنها إذا انتقلت إلى الزوج كان أحق بأمرها وتقويمها، وأنها إن قدمت طاعتهما على طاعته، فسدت حياتها، وعادت إلى بيت والديها غالبا، فكان الأولى بهما عدم تزويجها.