الصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام بعد النطق بالشهادتين ، ومنزلتها من الإِيمان منزلة عظيمة فهي بمنزلة الرأس من الجسد ، والنصوص كثيرة في وجوب المحافظة عليها ، وفى التحذير من تركها أو التهاون فيها ، والصلاة هي الفارقة بين الإيمان والكفر ففي الصحيح : “بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة ” .
ما هو حكم تارك الصلاة
يقول الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقا:
تارك الصلاة إنْ كان مُنكرًا لوجوبها فهو كافر بإجماع المسلمين خارج من مِلَّةِ الإسلام إلا أن يكون قريب عَهْدٍ بالإسلام ولم يُخالط المسلمين مدةً يُبلغه فيها وجوب الصلاة عليه.
وإن كان تركه تَكاسلاً مع اعتقاده وجوبها كما هو حال كثير من الناس فقد اختلف العلماء فيه، فذهب مالك والشافعي وجماهير السلف والخلف إلى أنه لا يَكْفُرُ بل يَفسق ويُستتاب، فإن تاب وإلا قتلناه حَدًّا كالزاني المُحْصَنِ، ولكنه يُقتل بالسيف، وذهب جماعة من السلف إلى أنه يَكْفُرُ، وهو مَرْوِيٌّ عن عليٍّ وإحدى الروايتين عن أحمد بن حنبل وهو وجه لبعض أصحاب الشافعي، وذهب أبو حنيفة وجماعة من أهل الكوفة والمزني صاحب الشافعي إلى أنه لا يكفر ولا يُقتل بل يُعَزَّرُ ويُحْبَسُ حتى يُصلي.
ومَنْ تَرَكَ الصلاة كَسَلاً مع الإيمان بوجوبها عليه يجب نصحه بالحكمة والموعظة الحسنة، فإن لم يَتُبْ وَجَبَتْ مقاطعته وكراهيته وحَرُمَ حُبُّهُ ومَودته.
فذلك مظهر الإِنكار بالقلب الوارد في حديث تغيير المنكر، وقد حدث أن النبى ﷺ هجر المتخلفين عن غزوة تبوك بغير عذر وأمر أصحابه بهجرهم ، على أن يكون الهجر بدافع ديني لا لغرض شخصي ، والأعمال بالنيات .
ولو أن المؤمنين الطائعين قاطعوا العصاة وهجروهم لكان ذلك من أكبر العوامل على مراجعة أنفسهم وتوبتهم إلى اللَّه ، ضرورة حاجتهم إلى التعامل مع إخوانهم .أهـ
معاملة المجتمع لتارك الصلاة
وتارك الصلاة على المجتمع أن يقومه ويصلح من أمره ، لأن هذا من مقتضيات الأمر بالمعرف والنهي عن المنكر ، ومن التعاون على البر والتقوى ، ويكون لكل شخص المنهج الذي يصلحه فهناك من يرجع للحق عن طريق النصح بالحكمة ، ومنهم من يصلحه الهجر والمقاطعة . ومنهم من تأتي به الهدية الرقيقة والابتسامة الجميلة والكلمة الطيبة .
والحكيم هو من يضع الأمر في نصابه الصحيح فيعامل كل شخص بما هو أهلٌّ له ، فلا يخلط في الأمور و لا يطبق أمرا واحدا على الناس كلها ، بل شأنه شأن الطبيب الذي يصف الدواء للمرضى فيأمر بدواء معين لشخص ، ودواء آخر لشخص آخر ، وذلك لأن هذا الشخص لا ينفعه إلا هذا الدواء .
والأولى هو الدعوة بالمعروف والموعظة الحسنى واستفراغ الجهد الجهيد في هذا فهذا هو واجب المجتمع حوله فإن استمر هذا العاصي في غيه فإن المجتمع يقاطعه عساه أن يرجع عن هذا .وهذا الأمر يقدر بقدره .
ما الواجب على من ترك الصلاة
يقول الشيخ يوسف القرضاوي :
يجب على كل من ينتسب إلى الإسلام أن يراجع نفسه، ويتوب إلى ربه، ويصحح.دينه، ويصمم على إقامة الصلاة.كما يجب على المتدينين أن يقاطعوا كل تارك للصلاة، مصرّ على تركها، بعد أن يسدوا إليه النصيحة، ويأمروه بالمعروف، وينهوه عن المنكر.
قال الإمام ابن تيمية في تارك الصلاة: لا ينبغي السلام عليه، ولا إجابة دعوته.
وكذلك لا يجوز للأب أن يزوج ابنته من تارك للصلاة لأنه في الحقيقة ليس بمسلم وليس أهلاً لها . ولا أمينًا عليها، ولا على أولادها.
ولا يجوز لصاحب المؤسسة أن يوظف تارك الصلاة لأنه يعينه برزق الله على معصية الله، ومن ضيع حق الله الذي خلقه وسواه فهو لحقوق عباده أكثر تضييعًا وإهمالاً.
ومن هنا تتضح مسئولية المجتمع عن هذه الفريضة التي هي عماد الدين، والتي لم يجعل الله لأحد عذرًا في تركها، إلا أن يكون مريضًا مرضًا أفقده وعيه بحيث لا يفهم الخطاب وما دون ذلك من الأمراض لا تسقط به الصلاة ولو كان قعيدًا، أو مشلولاً، أو مثخنًا بالجراح.
فالشرع يقول للمريض: تطهر كيف استطعت، وصل كيف استطعت ولا تترك الصلاة، تطهر بالماء فإن لم تجد فتيمم صعيدًا طيبًا . صل قائمًا فإن لم تستطع فصل قاعدًا فإن لم تستطع فصل مضطجعًا على جنبك، أو مستلقيًا على ظهرك، مشيرًا برأسك، أو مومئًا بحاجبيك كما قال تعالى (فاتقوا الله ما استطعتم). (التغابن: 16).
المجتمع مسئول إذا عن إقامة هذه الفريضة، وبخاصة كل ذي سلطان في سلطانه: كالأب مع أولاده الصغار، والزوج مع زوجته قال تعالى :
(وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقًا نحن نرزقك، والعاقبة للتقوى) (طه: 132) وقال عليه الصلاة والسلام: ” مُروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر ” (رواه أحمد وأبو داود والحاكم بإسناد حسن) . وقال تعالى: (يأيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارًا وقودها الناس والحجارة). (التحريم: 6).
فإذا كان الزوج حريصًا على زوجته، محبًا لها، وإذا كان الأب حريصًا على أولاده، محبًا لهم، فليحمهم من النار، وليأمرهم بطاعة الله تعالى، وأولها الصلاة.أهـ
هل تجوز صلاة الجنازة على المسلم الذي لا يصلي
أما ترك الصلاة عليه وشهود جنازته فإن تارك الصلاة تكاسلا مسلم عاص ، والمسلم العاصي يصلى ويدفن في مقابر المسلمين وتحضر جنازته لأنه مسلم ، وحق المسلم على المسلم أن يشهد جنازته فإن عصى هو الله في ترك الصلاة فنطيع نحن الله في الصلاة عليه وفي حضور جنازته . ففي الحديث الصحيح المتفق عليه عن أبى هريرة أن النبي -ﷺ- قال :
” حق المسلم على المسلم خمس : رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس “.
وقد وعد الله من صلى على جنازة أخيه بالثواب الجزيل فعن أبي هريرة أن النبي ـ ﷺ ـ قال: “من تبِعَ جِنازة وصلى عليها فله قيراط، ومن تبعها حتى يفرغ منها فله قيراطان، أصغرهما ـ أو أحدهما ـ مثل أُحُد” وروى مسلم عن خبَّاب ـ رضي الله عنه ـ قال: يا عبد الله بن عمر، ألا تسمع ما يقول أبو هريرة ـ وذكر الحديث ـ فأرسل ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ خبَّابًا إلى عائشة ـ رضي الله عنها ـ يسألها عن قول أبي هريرة، ثم يرجع فيخبره ما قالت: فقال: قالت عائشة: صدق أبو هريرة، فقال ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ : لقد فرَّطنا في قراريط كثيرة.
حكم من ترك صلاة الجمعة
أما من ترك الجمعة لمدة ثلاث مرات متواليات فقد أخبر النبي ﷺ أن هذا المتكاسل قد طبع الله على قلبه فعن أبي الجعد الضمري قال: قال رسول الله ﷺ” من ترك الجمعة ثلاث مرات تهاوناً بها طبع الله على قلبه” رواه الترمذي
يقول د عبد الله الفقيه :
إن اعتياد ترك الجمعات يغلّّب الرين على القلب، ويزهد في الطاعات، ويشهد لذلك أحاديث صحيحة، فعن أبي هريرة وابن عمر أنهما سمعا النبي ﷺ يقول” لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم، ثم ليكونن من الغافلين” رواه مسلم.
وعن أبي الجعد الضمري قال: قال رسول الله ﷺ” من ترك الجمعة ثلاث مرات تهاوناً بها طبع الله على قلبه” رواه الترمذي. قال الحافظ العراقي: المراد بالتهاون الترك من غير عذر، والمراد بالطبع أن يصير قلبه قلب منافق.
وقال الشيخ عبد الحق في اللمعات: الظاهر أن المراد بالتهاون التكاسل وعدم الجد في أدائه، لا الإهانة والاستخفاف فإنه كفر، والمراد بيان كونه معصية عظيمة.
وقال ابن العربي: إن معنى طبع على قلبه أي ختم على قلبه بمنع إيصال الخير إليه.
ولكن لا يلزم من هذا أن الله لا يوفقه للتوبة أو لا يقبلها منه، بل نصوص الشرع متواترة على أن الله قد يوفق العبد للتوبة في جميع الأحوال، وأن كل من تاب وأقلع ظاهراً وباطناً فإن الله يتوب عليه. ومن أصرح هذه النصوص في ذلك قوله تعالى: ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم).[الزمر:53].