الراجح والمعتمد عند جمهور الفقهاء هو وجوب إرضاع الولد على الأم أثناء قيام الزوجية ؛ لقول الله تعالى: ( وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ) البقرة 233 ). ومع ذلك فقد اختلفوا في استحقاق الزوجة الأجر على إرضاع ولدها، فقال البعض بأن لها ذلك ، وقال البعض بأن ليس لها أجر لأنه واجب عليها.
وقال آخرون بعدم استحقاقها الأجر، ولكن لها الحق في زيادة النفقة الواجبة لها بمقدار ما يتطلبه الإرضاع، وهذا هو الرأي المتوسط والراجح .

يقول الدكتور عبد الكريم زيدان ـ أستاذ الشريعة بجامعة الإمام باليمن ـ في كتابه”المفصل في أحكام المرأة والبيت المسلم في الشريعة الإسلامية”:

إذا قلنا إن الوالد يتحمل مؤونة أو أجرة إرضاع ولده بأن يستأجر له مرضعة، فهل يتحمل ذلك إذ أرضعته والدته في حال قيام النكاح أو بعد الفرقة؟ وهل يصح للوالد أن يسـتأجرها لإرضاع ولده منها؟

اختلاف وتفصيل عند الفقهاء نوجزه في الآتي في مختلف المذاهب.

أولا: مذهب الحنفية:
عندهم لا تستحق الأم أجرة على إرضاع ولدها في حال قيام النكاح أو إذا كانت معتدة من طلاق رجعي، سواء اتفقت مع الأب (أي مع أبي الولد وهو زوجها) على إرضاعه بالأجرة أو أرضعته بدون اتفاق، ثم طالبته بالأجرة، وعللوا ذلك بأن إرضاعه واجب عليها ديانة، ولا أجرة على القيام بما هو واجب ديانة.

أما المعتدة من طلاق بائن ، فكذلك لا تستحق أجرة على إرضاع ولدها لبقاء النكاح في بعض الأحكام، وعلى الرواية الأخرى تستحق أجرة على الرضاع لزوال النكاح. أما إذا انقضت عدتها من الفرقة البائنة، فإنها تستحق أجرة الرضاع لزوال النكاح.

أما إذا انقضت عدتها من الفرقة البائنة، فإنها تستحق أجرة الرضاع لزوال النكاح بالكلية، ونذكر فيما يلي بعض أقوال الحنفية الدالة على ما قلناه عنهم.

جاء في “الفتاوى الهندية” في فقه الحنفية : “وإن استأجرها وهي زوجته أو معتدته عن طلاق رجعي لترضع ولدها لم يجز. والمعتدة عن طلاق بائن أو طلقات ثلاث في رواية ابن زياد تستحق أجرة الرضاع وعليه الفتوى. وإن مضت عدتها فاستأجرها لإرضاع ولدها جاز.

ثانيا: مذهب المالكية:
جاء في “الشرح الصغير” للدردير : “وعلى الأم المتزوجة بأبي الرضيع أو الرجعية (أي المطلقة طلاقا رجعيا) إرضاع ولدها من ذلك الزوج بلا أجر تأخذه من الأب، إلا لعلو قدر بأن كانت من أشراف الناس الذين شأنهم إرضاع نسائهم أولادهن فلا يلزمها رضاع، فإن أرضعت فلها الأجرة في مال الولد إن كان له مال، وإلا فعلى الأب، كالبائن لا يلزمها إرضاع فإن أرضعت فلها الأجرة إلا أن لا يقبل الولد غيرها فيلزمها رضاعه للضرورة ولها الأجرة، أو إلا أن يعدم الأب بأن يفتقر أو يموت ولا مال للصبي، فيلزمها إرضاعه، وإذا لزمها استأجرت بمالها من يرضعه إن لم ترضعه بنفسها ولا رجوع لها على الأب أو الولد إذا أيسر.

ويفهم من هذا بالقول أن الأم لا تستحق الأجرة على إرضاع ولدها إلا في الحالات المذكورة، وأنها إذا وجب عليها إرضاع الولد، وعدم الأب لفقره أو موته ولا مال للولد، فعلى الأم أن ترضعه مجانا، فإن لم تستطع إرضاعه، فعليها أن تستأجر له من يرضعه من مالها ولا رجوع لها على الأب ولا على الولد بما دفعته من أجرة إرضاعه.

ثالثا: مذهب الشافعية:
عندهم تستحق الأم أجرة الرضاع ولزوجها أن يستأجرها لإرضاع ولده منها في حال قيام النكاح وبعده فقد قالوا :

أ: على الأم إرضاع ولدها اللبأ ـ وهو اللبن الموجود في الثدي عقب الولادة ـ ولها أن تأخذ الأجرة إن كان لمثله أجرة.
ب: وبعد إرضاعه اللبأ إن لم يوجد من ترضعه إلا الأم وجب عليها إرضاعه، ولها طلب الأجرة من ماله إن كان له مال، وإلا فممن تلزمه نفقته.
جـ: إذا وجدت مرضعة غير الأم ، جاز للزوج أن يستأجر زوجته لإرضاع ولده منها في حال قيام النكاح وبعده>

رابعا: مذهب الحنابلة:
وعندهم يصح استئجار الزوج لزوجته لإرضاع ولده منها حال قيام النكاح وبعد زواله، وعللوا ذلك بأنه عقد إجارة يجوز من غير الزوج إذا أذن فيه، فجاز من الزوج كإجارة نفسها للخياطة أو الخدمة وإنما امتنعت إجارة نفسها لأجنبي بغير إذنه لما فيه من تفويت حقه في الاستمتاع بها في بعض الأوقات؛ ولهذا جازت بإذنه، وإذا أستأجرها فقد أذن لها في إجارة نفسها فصح كما يصح من الأجنبي

خامسا: مذهب الظاهرية:
وعندهم يجب على الوالدة أن ترضع ولدها من زوجها حال قيام النكاح ولا أجرة لها على إرضاعه وإنما لها نفقتها وكسوتها كما كان لها ذلك قبل أن تلد ولدها . وإن كانت مطلقة طلاقا بائنا فلها على الرضيع الأجرة على إرضاعه

سادسا: قول شيخ الإسلام ابن تيمية:
عند شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، إرضاع الطفل واجب على الأم بشرط أن تكون مع الزوج أي في حال قيام الزوجية ولا تستحق أجرة المثل زيادة على نفقتها وكسوتها؛ لأن الله تعالى قال ” وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا ”  البقرة 233 . فلم يوجب لهن إلا الكسوة والنفقة بالمعروف ، وهو الواجب بالزوجية وما عساه أن يكون من زيادة خاصة للمرتضع ـ الرضيع ـ ما قال تعالى في الحامل ” وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ

” الطلاق 6 . فدخلت نفقة الولد في نفقة أمه؛ لأنه يتغذى بها وكذلك المرتضع وتكون النفقة هنا واجبة بسببين حتى لو سقط الوجوب بأحدهما ثبت بالآخر كما لو نشرت وأرضعت ولدها، فلها النفقة للإرضاع لا للزوجية. فإذا كانت بائنا وأرضعت له ولده فإنها تستحق أجرها بلا ريب؛ لأن الله تعالى قال ” فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن” وهذا الأجر هو النفقة والكسوة.

القول الراجح:
والراجح أن الزوجة لا تستحق أجرة من زوجها على إرضاع ولدها منه حال قيام الزوجية وإنما لها النفقة بأنواعها بسبب الزوجية، ولكن إن احتاجت إلى زيادة نفقة لكونها ترضعه استحقت ذلك على أبي الطفل (زوجها) فقد جاء في المغني: “وإن أرضعت المرأة ولدها وهي في حبال والده – أي حال قيام الزوجية – فاحتاجت إلى زيادة نفقة لزمه لقول الله تعالى: “وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف” ولأنها تستحق على قدر كفايتها، فإذا زادت حاجتها زادت نفقة كفايتها

اعتراض، ودفعه:
وقد يعترض على ما رجحناه بأن يقال إذا كانت الزوجة تستحق النفقة والكسوة، سواء أرضعت أو لم ترضع، فلماذا أوجبت الآية الكريمة لها الرزق والكسوة إذا أرضعت بقوله تعالى: ” وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا ” ألا يدل ذلك على استحقاقها أجرة الرضاع زيادة على استحقاقها النفقة بسبب الزوجية؟

والجواب : إن الزوجة تستحق النفقة والكسوة مقابل تمكينها زوجها من الاستمتاع بها ، فإذا اشتغلت بالإرضاع لم يكمل بالتمكين، فقد يتوهم متوهم أن النفقة تسقط بسبب الإرضاع، فأزالت هذه الآية ذلك التوهم إذا جاء فيها “وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن” أي على الزوج رزقهن وكسوتهن في حال الرضاع؛ لأنه اشتغال في مصالح الزوج ؛ لأن الرضيع ولده ، فصارت كما لو سافرت لحاجة الزوج بإذنه فإن نفقتها لا تسقط بهذا السفر.