هناك من الفقهاء من نزَّل المرأة الذمية منزلة الرجل الأجنبي في مسألة النظر ، وهناك من فسر قوله تعالى :{ أو نسائهن } أن المقصود بها جميع النساء .وهذا أيسر للناس ،ولا سيما في تلك المجتمعات الغربية التي يصعب فيها تخصيص حمام سباحة للنساء يكون بمعزل عن الرجال فكيف بحمام يخصص للنساء المسلمات دون غيرهن من أهل الملل الأخرى .
فالمسألة خلافية يدور أمرها بين الأخذ بالأحوط ، فلا تكشف المرأة عن جسمها أمام غير دينها من النساء .
وبين الأخذ بالأيسر وذلك نظراً للحاجة إليه في هذا العصر و في تلك البلاد .
يقول سماحة المستشار الشيخ فيصل مولوي-رحمه الله تعالى- نائب رئيس المجلس الأوربي للبحوث والإفتاء :
نبيّن أولاً آراء المذاهب. وثانياً دليل القائلين بالتفرقة في عورة المسلمة فيما إذا كانت الناظرة إليها مسلمة أو غير مسلمة. وثالثاً: في الرأي الراجح كما نراه.
أولاً: ملخّص آراء المذاهب:
قال الأحناف: (وتنظر المرأة من المرأة إلى ما يجوز للرجل أن ينظر إليه من الرجل) وهو سائر الجسد إلاّ ما بين السرّة والركبة. [فتح القدير، الجزء الثامن، ص 102].
وأكثر كتب الأحناف ذكرت هذا الحكم، ولم تقيّد المرأة بكونها مسلمة أو غير مسلمة.
إلاّ أنّ صاحب الدرّ المختار ذكر: (وتنظر المرأة المسلمة من المرأة المسلمة كالرجل من الرجل، والذمّية (غير المسلمة) كالرجل الأجنبي في الأصح، فلا تنظر إلى بدن المسلمة) وورد مثل ذلك في الفتاوى الهندية.
ومعنى ذلك : أنّ جواز كشف المرأة المسلمة بدنها أمام النساء غير المسلمات – إلاّ ما بين السرّة والركبة – رأي صحيح عند الأحناف، ولكنّ الأصح منه عدم جواز هذا الكشف.
وقال الشافعية بمثل رأي الأحناف في هذه المسألة.
جاء في نهاية المحتاج : (والأصح تحريم نظر كافرة ذمّية أو غيرها إلى مسلمة، فتحتجب المسلمة عنها .. والقول الثاني: لا يحرم نظر الكافرة إلى المسلمة، لاتحاد الجنس كما هو الحكم في الرجال ..)
وقال المالكية: (إنّ عورة المرأة في حقّ المرأة، كعورة الرجل في حقّ الرجل، وهو من السرّة إلى الركبة فقط) ورد مثل هذا النص في أكثر كتب المالكية، دون تفريق بين نظر المسلمة أو غير المسلمة إلى المرأة المسلمة.
إلاّ أنّه ورد في حاشية الدسوقي : (أمّا الحرّة الكافرة، فعورة الحرّة المسلمة معها ما عدا الوجه والكفّين، لا ما بين السرّة والركبة فقط، لئلاّ تصفها لزوجها الكافر. فالتحريم لعارض لا لكونه عورة).
وقال الحنابلة: إنّه لا فرق بين المسلمتين، ولا بين المسلمة والذمّية، كما لا فرق بين الرجلين المسلمين ولا بين مسلم وذمّي في نظر أحدهما للآخر. قال الإمام أحمد: (ذهب بعض الناس إلى أنّ المسلمة لا تضع خمارها عند اليهودية أو النصرانية، وأمّا أنا فأذهب إلى أنّها لا تنظر إلى الفرج ..)
ثانياً: دليل القائلين بالتفرقة:
تبيّن ممّا تقدّم أنّ القول الأصحّ عند الأحناف والشافعية، وهو القول المعتمد عند المالكية عدم جواز نظر المرأة غير المسلمة إلى المرأة المسلمة باستثناء الوجه والكفّين.
ومعنى ذلك : أنّه لا يجوز للمرأة المسلمة أن تكشف شيئاً من جسمها أمام النساء غير المسلمات ؛ لأنّ المرأة المسلمة هي المطالبة بتنفيذ الحكم الشرعي.
ودليل هؤلاء يدور حول الآية الكريمة: (وقل للمؤمنات يغضُضنَ من أبصارهنّ، ويحفظنَ فروجهنّ، ولا يبدينَ زينتهنّ إلاّ ما ظهر منها، وليضربنَ بخُمُرِهنّ على جيوبهنّ، ولا يبدينَ زينتهنّ إلاّ لبعولتهنّ أو آبائهنّ أو آباء بعولتهنّ، أو أبنائهنّ أو أبناء بعولتهنّ، أو إخوانهنّ أو بني إخوانهنّ، أو بني أخواتهنّ، أو نسائهنّ .. ) [سورة النور، الآية 31].
وفسّر هؤلاء كلمة (نسائهنّ) بأنّها تعني النساء المؤمنات.
مناقشة هذا الدليل:
ممّا لا شكّ فيه أن هذا التفسير قال به جمهور السلف والمفسّرين. وهو مروي عن مجاهد وابن عبّاس، وأيّده الزمخشري وابن كثير والقرطبي وصديق خان وسيّد قطب وغيرهم.
• لكنّ عدداً مهمّاً من كبار المفسّرين يرى تفسير {أو نسائهنّ } بجميع النساء، ولا يحصره بالنساء المسلمات.
• ذكر هذا القول الإمام الرازي في تفسيره وأيّده، وقال: هذا هو المذهب (أي مذهب الشافعي)، وحمل قول السلف على الاستحباب والأولى.
• وذكر أبو بكر بن العربي القولين في تفسير (.. أو نسائهنّ…) ثمّ قال: (والصحيح عندي أنّ ذلك جائز لجميع النساء ..) كما ذكر الآلوسي في تفسيره القولين، ومال إلى الثاني بقوله: (.. وهذا القول أرفق بالناس اليوم، فإنّه لا يكاد يمكن احتجاب المسلمات عن الذمّيات)
وإذا كان الأمر كذلك أيّام الآلوسي، وفي مجتمع إسلامي، فكيف يكون الأمر اليوم بالنسبة للمسلمات المقيمات في بلاد غير إسلامية، وهنّ محتاجات إلى التواصل الدائم مع النساء غير المسلمات؟
• وقد ذكر الإمام أبو الأعلى المودودي رحمه الله – في تفسير سورة النور – رأياً ثالثاً نقله عن طائفة من المفسّرين، وهو أنّ المراد بـ (نسائهنّ) النساء المختصّات بهنّ بالصحبة والخدمة والتعارف سواء كنّ مسلمات أو غير مسلمات، فليست العبرة بالاختلاف الديني بل هي بالاختلاف الخلقي. فللنساء المسلمات أن يظهرن زينتهنّ بدون حجاب ولا تحرّج للنساء الكريمات الفاضلات ولو من غير المسلمات. وأمّا الفاسقات اللاتي لا حياء عندهنّ، ولا يعتمد على أخلاقهنّ وآدابهنّ، فيجب أن تحتجب كلّ امرأة مؤمنة صالحة، ولو كنّ مسلمات)
ومن الطبيعي أن نقول : إنّ النساء غير المسلمات اللواتي يحرصن على ارتياد مسابح خاصّة هنّ من النساء الكريمات الفاضلات لأنّ حياءهنّ هو الذي منعهنّ من الانكشاف أمام الرجال في المسابح المختلطة، والرسول ﷺ يقول : (الحياء لا يأتي إلاّ بخير).
ثالثاً: الترجيح:
وقد رجّح الرازي والآلوسي وابن العربي أنّ كلمة (نسائهنّ) تعني جميع النساء ، وليس فقط المسلمات، وحملوا رأي السلف على الاستحباب.
ومال إلى هذا الترجيح الدكتور عبد الكريم زيدان في كتابه (المفصل في أحكام المرأة ، وبعد أن ذكر أدلّة الحنابلة المذكورة آنفاً أضاف إليها: إنّ القول بحجاب المرأة المسلمة عن الكافرة يحتاج إلى دليل من نصّ صريح أو قياس صحيح.
أمّا النصّ الصريح فلا وجود له، لأنّ قوله تعالى: (.. أو نسائهنّ ..) يحتمل التفسيرين كما ذكرنا. ومع الاحتمال يبطل الاستدلال. أمّا القياس الصحيح فلا يوجد أيضاً، فليس من القياس الصحيح مساواة غير المسلمة بالرجل الأجنبي، من جهة النظر إلى المسلمة ووجوب الحجاب عليها، للفرق الواضح بين الأجنبي وهو رجل وبين غير المسلمة وهي أنثى (بتصرّف).
الخــــلاصـــــــــــة :
إنّي أرى جواز انكشاف المرأة المسلمة أمام غير المسلمة بمقدار ما تنكشف أمام المرأة المسلمة وهو رأي الحنابلة، وكثير من الشافعية والحنفية والمالكية، فلا حرج على المسلمة أن تدخل المسبح الخاص بالنساء طالما أنّها تستر ما بين السرّة والركبة، ومن تريد أن تأخذ بالرأي الأحوط ، وتمتنع عن دخول هذه المسابح فهو أفضل لها بلا شكّ، ولكن لا يصحّ لها ولا لمن يأخذ بهذا الرأي أن يلزم به جميع النساء، طالما أنّه أمر مختلف فيه. وإنّ وجود مسابح خاصّة للنساء، ولو دخلها غير المسلمات، تعتبر مدخلاً مهمّاً لنشر قيمنا الإسلامية في هذا العصر.
ومن المعروف أنّ اللباس الشرعي للسباحة يغطّي ما بين السرّة والركبة، لكن حتّى لو وجدت بعض النساء ممّن يكشفن أفخاذهنّ أثناء السباحة فإنّ هذا لا يؤثّر على إباحة دخول المرأة المسلمة للمسابح الخاصّة بالنساء.
إنّما يطلب منها غضّ البصر رغم ورود أحاديث صحيحة أن الفخذ ليس بعورة، لكنّنا نميل إلى الأخذ بالأحوط في هذه المسألة، وهو أنّ الفخذ عورة يجب ستره.