منَّ الله تعالى على عباده أن جعل لهم مواسم للطاعات وأوقاتا للعمل الصالح والتنافس على التقرب منه سبحانه وتعالى، ومن أعظم تلك المواسم موسم الحج وعشر ذي الحجة التي شهد النبي الكريم ﷺ بأنها من أفضل أيام الدنيا.
هل العشر من ذي الحجة فرصة لمن فاته رمضان:
ها هي الفرصة تعود من جديد لكل من تدنست صحيفته بعد رمضان.
ها هي الفرصة تعود من جديد لكل من كبا فسود صحيفته بعد أن كانت بيضاء، إنها فرصة للتطهير والغفران، إنها فرصة للتخلص من الذنوب والأوزار، فرصة لعودة الصحف نقية كما كانت.فالله عز وجل يلاحق الناس بمغفرته ورضوانه، فيشرع لهم موجيات الرحمة ، وعزائم المغفرة، فما أن ينصرم رمضان إلا وتأتي أيام الخير والبركة ، التي يفضل العمل فيها العمل في شهر رمضان نفسه.
وما أن ينصرم النهار، ويقبل الليل البهيم حتى يلاحق الله الناس بمغفرته قائلا ومتوددا لعباده ” هل من مستغفر فأغفر له ، هل من تائب فأتوب عليه ومن أسرف على نفسه ليلا ففاته طلب الرضوان والمغفرة في ساعات السحر فالله يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل.
وهكذا يتقلب الإنسان بين الرحمة والمغفرة والرضوان، فخاب وخسر من أعرض عن ذلك كله حتى لقي الله عليه وهو غضبان .
موسم العشر من ذي الحجة:
أعظم مواسم العبادة الأيام العشر من ذي الحجة ، فقد روى البخاري وغيره من حديث عبد الله بن عباس أن رسول الله ﷺ قال : “ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام ، يعني أيام العشر قالوا : يا رسول الله و لا الجهاد في سبيل الله ؟ قال : و لا الجهاد في سبيل الله إلا رجلاً خرج بنفسه و ماله لم رجع من ذلك بشيء “وقد روى هذا الحديث عن ابن عباس سعيد بن جبير، وكان من خبره حين سمعه أنه كان إذا دخل العشر اجتهد اجتهاداً حتى ما يكاد يقدر عليه ، و روي عنه أنه قال : “لا تطفئوا سرجكم ليالي العشر تعجبه العبادة” إنها دعوة لتدارك العمر كله، فالركعة بركعات، والتسبيحة بتسبيحات، والصدقة بصدقات، والقربة بقربات.
إن المسلم إذا كان في المسجد الحرام فإنه يقوم يصلي، فإذا فتر وتعب ، وأراد أن يستريح تذكر أن الركعة بمائة ألف ركعة فيقوم متحفزا للصلاة، فيتجافى جنبه عن المضجع، وكلما تعب سلى نفسه بقوله: إن من وراء الموت نوما طويلا، فاصبري, كيف تنامين عن ركعة بمائة ألف ركعة، لئن زهدت في هذا ، فوالله لا أراك تنشطين بعدها أبدا، وهكذا يستحث نفسه على السير إلى الله لما فيه خيره وفلاحه.
فإذا كانت الركعة في المسجد الحرام بمائة ألف، وكانت العبادة في هذه الأيام أفضل من العبادة في المسجد الحرام في غير هذه الأيام فبكم عساها تكون الركعة…… إنها ركعة بمئات الألوف، وتسبيحة بمئات الألوف…….. إنه استدراك العمر.
جاءت امرأة إلى رسول الله ﷺ فقالت : يا رسول الله ! انطلق زوجي غازيا، وكنت أقتدي بصلاته إذا صلى، وبفعله كله، فأخبرني بعمل يبلغني عمله حتى يرجع . قال لها : أتستطيعين أن تقومي ولا تقعدي، وتصومي ولا تفطري، وتذكري الله تعالى ولا تفتري حتى يرجع ؟ . قالت : ما أطيق هذا يا رسول الله ! فقال : “والذي نفسي بيده لو أطقته ؛ ما بلغت العشر من عمله” رواه أحمد، وصححه الألباني. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أيضا قال قيل :يا رسول الله ما يعدل الجهاد في سبيل الله قال لا تستطيعونه، فأعادوا عليه مرتين أو ثلاثا كل ذلك يقول: لا تستطيعونه، ثم قال : مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم القانت بآيات الله لا يفتر من صلاة ولا صيام حتى يرجع المجاهد في سبيل الله) رواه البخاري ومسلم واللفظ له.
فالذي يريد أن يدرك فضل المجاهد فعليه أن يصوم فلا يفطر، وأن يقوم مصليا فلا يفتر حتى يعود المجاهد، فإن أفطر من صيام ، وإن استراح من الذكر فقد خسر السباق، ومن يستطيع ذلك ؟!!! لكنك اليوم تستطيع أن تفوز في السباق، فالعبادات من صلاة وصيام ، وذكر واستغفار ، وتسبيح وتهليل، وإعانة المحتاجين، وإغاثة الملهوفين ….. هذه العبادات في هذه الأيام – وفي هذه الأيام فقط- أثقل في الميزان من الجهاد في سبيل الله. إلى كل ثقيل لا يتحرك……. إلى كل بطيء لا ينشط……… إلى كل مقتصد لا يجتهد…….. إلى كل من كان يريد فيعجز…….. إلى كل من أضاع عمره فبنى في الدنيا ، وخسر الآخرة أو كاد…… ها هي الفرصة في العشر من ذي الحجة لا ستدراك العمر!