المساحة التي تمثلها الأحاديث المتواترة في الفقه الإسلامي كبيرة جدا؛ لأن الأحاديث تنقسم إلى قسمين:
-قسم قولي قاله الرسول ﷺ أو أقره، يعني رضي عنه وسكت عنه.
-وقسم فعلي، أما السنة الفعلية فكثير جدا منها متواتر، وبالتالي فالأحكام التي تؤخذ منها في الفقه الإسلامي متواترة كالصلاة بكل تفاصيلها وأعدادها وأوقاتها وغير ذلك، وكذلك الصوم، وكذلك الزكاة، وكذلك الحج، فكثير من السنة الفعلية متواترة؛ لأن المسلمين تلقوها عملا جيلا بعد جيل،
أما السنة القولية أو السنة التقريرية التي أقرها الرسول ﷺ، فالمتواتر منها قليل، لكن استعيض عن هذا بجهود المحدثين في تصحيح الأحاديث غير المتواترة، بحيث اطمأنوا إليها بما يقترب من المتواتر في الثقة به وفي ثبوته.
علم الحديث
علم الحديث الشريف ، فهو علم غاية في الدقة ، غاية في الإحكام ، دُوِّنَت فيه آلاف الصفحات ، وبُذلت في سبيله الأرواح والأموال والأعمار ، حتى استطاع المسلمون الذين أحبوا نبيهم محمدا ﷺ أن ينقلوا أقواله وأفعاله وصفاته وأحواله لجميع العصور من بعدهم ، حتى نقلوا ضحكاته وسكتاته ، ونقلوا قيامه وقعوده ، ونومه ويقظته ، نقلوا تفاصيل كثيرة عن هذا النبي العظيم .
التشيكيك في الحديث
علم الحديث يقرر القواعد التي نستطيع من خلالها الحكم على الحديث بالقبول أو الرد ، والقبول بمعنى التصديق بصدوره عن النبي ﷺ ، وأنه من قوله عليه الصلاة والسلام ، بغض النظر عن درجة ذلك القبول .
ولكي تتضح الصورة نضرب مثالا يوضح المسألة:
إذا جاء من لا يشك في صدقه فأخبر أن موعد الاختبار في اليوم الفلاني ، ألا يكفي ذلك للإعداد للامتحان والتحضير له ، أوليس خبره كافيا لتوجيه اللوم لمن يقصر في التحضير للامتحان.
فكيف لو جاء شخص آخر فأخبر بالخبر نفسه ! لا شك أن ذلك سيؤكد الخبر ، ولكن تأكيد الخبر لا يعني أن خبر الأول لم يكن كافيا ، أو لم يكن مفيدا ، بل هو كاف ومفيد ، ولكن الخبر الآخر عززه وأكده .
فكيف إذا جاء الخبر من الإدارة التي وضعت موعد الامتحان ألا يصل هذا إلى درجة اليقين.
هذا هو معنى ما يتكلم به بعض أهل العلم أن حديث الآحاد ليس كالحديث المتواتر ، ونحن نقول الحديث المتواتر أيضا ليس كالسماع من النبي ﷺ مباشرة ، ولكن ذلك لا يعني أن حديث الآحاد غير مقبول وغير كاف لإقامة الحجة على العباد.
فأحاديث البخاري ومسلم ، أو غيرهما ، مما تلقاه أهل العلم بالقبول ، قد جاء ما يقويها ويؤكدها ويرفعها إلى مرتبة إفادة العلم ، ووجوب تصديقها ، والعمل بما فيها :
1- أكثرها جاء من طرق وروايات وأسانيد كثيرة ، مما يؤكد مضمون الحديث وصدوره عن النبي ﷺ.
2- كثير من أحاديث الآحاد أجمعت عليها الأمة ، وتلقاها العلماء بالقبول ، من عهد الصحابة إلى يومنا هذا ، وعملوا بها جميعا ، وهذا أيضا يؤكد ويقوي هذه الأحاديث .
3- كثير من الأحاديث الصحيحة تشهد لها آيات من القرآن الكريم ، وتشهد لها أقوال الصحابة الكرام ، بل ويشهد لها الواقع والتاريخ أيضا ، فكل هذه مؤكدات ترفع مستوى التصديق بخبر الآحاد .
وهذه المؤكدات يسميها العلماء ” القرائن “، أي المؤكدات التي تثبت الأحاديث وتؤكدها ، وقد رجح المحققون من العلماء أن حديث الآحاد إذا اقترنت به بعض هذه المؤكدات فإنه يفيد العلم الذي يفيده الحديث المتواتر .