قتل الغيلة هو القتل الذي يحتال فيه القاتل على المقتول بحيث يأمن مدافعته، وقد اختلف الفقهاء في هذا النوع من القتل ، فجمهور الفقهاء ذهبوا إلى أن قتل الغيلة هو نوع من أنواع القتل ، ومن ثم فالخيار فيه لأولياء الدم بين القصاص أو الصلح ، وذهب المالكية إلى أن قتل الغيلة نوع من الحرابة ، ومن ثم فلا يجوز لأولياء الدم ولا للقاضي أن يعفو عن القاتل بل يجب أن يقتل القاتل حدا.. 

قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق كبيرة من أكبر الكبائر قال تعالى “مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا”، وقتل الغيلة ، وهو ذلك النوع من القتل الذي يقوم فيه القاتل باستخدام أي نوع من أنواع الخداع والحيل فيأخذ المقتول على غرة ، وقد اختلف الفقهاء في هذا النوع من القتل.

فجمهور الفقهاء قالوا لا فرق بين القتل غيلة وغيره من صور القتل العمد فيخير أولياء المقتول في القصاص أو الصلح على الدية والعفو عن القاتل، وخالف فقهاء المالكية وقالوا إن قتل الغيلة نوع من أنواع الحرابة وعلى هذا فلا يجوز فيه العفو ؛ لأن فيه نوع من الإفساد وفيه زعزعة لأمن الناس واستقرارهم ولذلك فإن القاتل يقتل حدا لا قصاصا، قال ابن أبي زيدالقيرواني في الرسالة –الفقيه المالكي-:  وقتل الغيلة لا عفو فيه ولو كان المقتول كافراً والقاتل مسلماً، وقد استدل المالكية لذلك بآثار كثيرة منها ما رواه البيهقي أن النبي صلى الله عليه وسلم رفض قبول عذر الحارث بن سويد الذي قتل المجذر بن زياد غيلة. أ. هـ

والمقام ليس مقام ترجيح ولكن الأولى في مثل هذه الحالة أن يترك للقاضي تقدير الأمر ؛ ليختار ما فيه المصلحة ، فقد تكون المصلحة في تخيير أولياء الدم في الصلح أو القصاص، وقد تكون المصلحة في قتل الجناة ، بحيث يكونوا عبرة للعابثين والمجرمين ، وبخاصة في هذا النوع من الجرائم الذي ينم عن انتكاس الفطرة وتأصل الجريمة في نفوس القتلة ، فلا شك أن الخير في وأد هذه البذور الفاسدة وتطهير المجتمع منها ، وليكونوا عبرة لكل من تسول له نفسه بالعبث بأرواح الناس وأعراضهم وزعزعة أمنهم واستقرارهم، وعلى حد تعبير شيخ الإسلام ابن تيمية يشترط أن لا يحصل بالعفو ضرر ، فإذا حصل منه ضرر فلا يشرع.

وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية:

ذهب الفقهاء إلى مشروعية العفو عن القصاص لقول الله تعالى : {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} ؛ ولأن القياس يقتضيه إذ أن القصاص حق ، فجاز لمستحقه تركه كسائر الحقوق ونص بعض الفقهاء على ندب العفو واستحبابه لقوله تعالى : { فمن تصدق به فهو كفارة له }.

قال الجصاص: ندبه إلى العفو والصدقة ، ولحديث أنس رضي الله تعالى عنه : { ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم رفع إليه شيء فيه قصاص إلا أمر فيه بالعفو }.

وقال ابن تيمية : العفو إحسان والإحسان هنا أفضل ، واشترط ألا يحصل بالعفو ضرر ، فإذا حصل منه ضرر فلا يشرع .

وقال المالكية بجواز العفو إلا في قتل الغيلة ، وهو القتل لأخذ المال ؛ لأنه في معنى الحرابة ، والمحارب إذا قتل وجب قتله ، ولا يجوز العفو عنه ؛ لأن القتل لدفع الفساد في الأرض ؛ فالقتل هنا حق لله لا للآدمي وعلى هذا يقتل حدا لا قودا . انتهى..

ولقد بحثت هيئة كبار العلماء[1] -بالسعودية- هذه المسألة ، وبعد مناقشة كلام أهل العلم في تعريف الغيلة في اللغة وعند الفقهاء، وما ذكر من المذاهب والأدلة والمناقشة في عقوبة القاتل قتل غيلة هل هو القصاص أو الحد؟ وتداول الرأي وحيث إن أهل العلم ذكروا أن قتل الغيلة ما كان عمداً عدواناً على وجه الحيلة والخداع، أو على وجه يأمن معه المقتول من غائلة القاتل، سواء كان على مال أو لانتهاك عرض، أو خوف فضيحة وإفشاء سرها، أو نحو ذلك،كأن يخدع إنسان شخصاً حتى يأمن منه ويأخذه إلى مكان لا يراه فيه أحد، ثم يقتله، وكأن يأخذ مال الرجل بالقهر ثم يقتله؛ خوفاً من أن يطلبه بما أخذ، وكأن يقتله لأخذ زوجته أو ابنته، وكأن تقتل الزوجة زوجها في مخدعه أو منامه – مثلاً- للتخلص منه، أو العكس ونحو ذلك.
لذا قرر المجلس بالإجماع – ما عدا الشيخ صالح بن غصون- أن القاتل قتل غيلة يقتل حداً لا قصاصاً، فلا يقبل ولا يصح فيه العفو من أحد.
والأصل في ذلك الكتاب والسنة والأثر والمعنى:

أما الكتاب: فقوله تعالى: ” إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا” الآية ( 1).
وقتل الغيلة نوع من الحرابة فوجب قتله حداً لا قوداً.
وأما السنة: فما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم، (أن يهودياً رضّ رأس جارية بين حجرين على أوضاع لها أو حلي فأخذ واعترف، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرض رأسه بين حجرين) ، فأمر – صلى الله عليه وسلم- بقتل اليهودي، ولم يرد الأمر إلى أولياء الجارية، ولو كان القتل قصاصاً لرد الأمر إليهم؛ لأنهم أهل الحق، فدل أن قتله حداً لا قوداً.
وأما الأثر: فما ثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قتل نفراً خمسة أو سبعة برجل واحد قتلوه غيلة، وقال: لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعاً.
فهذا حكم الخليفة الراشد في قتل الغيلة، ولا نعلم نقلاً يدل على أنه رد الأمر إلى الأولياء، ولو كان الحق لهم لرد الأمر إليهم على أنه يقتل حداً لا قوداً .
وأما المعنى: فإن قتل الغيلة حق الله، وكل حق يتعلق به حق الله تعالى فلا عفو فيه لأحد، كالزكاة وغيرها، ولأنه يتعذر الاحتراز منه كالقتل مكابرة.

[1] – أبحاث هيئة كبار العلماء المجلد الثالث ص436-439 ، قرار رقم (38) وتاريخ11/8/1395هـ