“فقه الموازنات” نعني به جملة أمور:

(أ) الموازنة بين المصالح بعضها وبعض، من حيث حجمها وسعتها، ومن حيث عمقها وتأثيرها، ومن حيث بقاؤها ودوامها ومن حيث تيقنها أو توهمها.. وأيها ينبغي أن يُقَدَّم ويُعتبر، وأيها ينبغي أن يَسقط ويُلغى.

(ب) الموازنة بين المفاسد بعضها وبعض،ومن تلك الحيثيات التي ذكرناها في شأن المصالح، وأيها يجب تقديمه، وأيها يجب تأخيره أو إسقاطه.

(جـ) الموازنة بين المصالح والمفاسد، إذا تعارضتا، بحيث نعرف متى تُقدم درء المفسدة على جلب المصلحة، ومتى تغتفر المفسدة من أجل المصلحة.

إن المصالح إذا تعارضت فُوِّتت المصلحة الدنيا في سبيل المصلحة العليا، وضُحِّيَ بالمصلحة الخاصة من أجل المصلحة العامة، ويعوض صاحب المصلحة الخاصة عما ضاع من مصالحه، أو ما نزل به من ضرر، وألغيت المصلحة الطارئة لتحصيل المصلحة الدائمة أو الطويلة المدى، وأهملت المصلحة الشكلية لتحقيق المصلحة الجوهرية، وغلبت المصلحة المتيقنة على المظنونة أو الموهومة.

-وفي صلح الحديبية رأينا النبي ـ ـ يغلب المصالح الحقيقية والأساسية والمستقبلية على بعض الاعتبارات التي يتمسك بها بعض الناس، فقيل من الشروط ما قد يظن لأول وهلة أن فيه إجحافًا بالجماعة المسلمة، أو رضًا بالدون، ورضى أن تحذف البسملة المعهودة، ويُكتب بدلها “بسمك اللهم” وأن يُمحى وصف الرسالة من عقد الصلح، ويُكتفى باسم محمد بن عبد الله.

والأمثلة كثيرة، والمجال ذو سَعَة.

ما حكم إذا تعارضت مفسدتين

إذا تعارضت المفاسد والمضار، ولم يكن بد من بعضها، فمن المقرر أن يرتكب أخف المفسدتين، وأهون الضررين.

هكذا قرر الفقهاء: أن الضرر يزال  بقدر الإمكان، وأن الضرر لا يزال بضرر مثله أو أكبر منه، وأنه يتحمل الضرر الأدنى لدفع الضرر الأعلى، ويتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام.

ولهذا أمثلة وتطبيقات كثيرة ذكرتها كتب “القواعد الفقهية” أو “الأشباه والنظائر”.

ما حكم تعارض المصالح والمفاسد والمنافع والمضار

إذا تعارضت المصالح والمفاسد، أو المنافع والمضار، فالمقرر أن ينظر إلى حجم كل من المصلحة والمفسدة، وأثره ومداها.

-تغتفر المفسدة اليسيرة لجلب المصلحة الكبيرة.

-وتغتفر المفسدة المؤقتة لجلب المصلحة الدائمة أو الطويلة المدى.

-وتقبل المفسدة وإن كبرت إذا كانت إزالتها تؤدي إلى ما هو أكبر منها.

-وفي الحالات العادية: يقدم درء المفسدة على جلب المصلحة.

وليس المهم أن نسلم بهذا الفقه نظريًّا.. بل المهم كل المهم أن نمارسه عمليًّا.