الأمة الإسلامية تعرف بأنها أمة الأسانيد، وأنها لا تتعبد إلا بما جاء منقولا ليصح التعبد به، وأيضا لا يصح دراية . لأن من النعيم الذي أعده الله للمؤمنين في الجنة الغلمان المخلدون، وقد أخبر الله تعالى عن فضله وكرمه بأن جعل الغلمان لخدمة أهل الجنة لا للشهوة، ولو كان المقصود بهم الشهوة لذكرها لأنه مما تجلب النفوس إليها، ولكن لأنه لا وجود لها فقد نص القرآن على الخدمة فقط.
قال الطبري في تفسيره:
ويطوف على هؤلاء القوم الذين وصف صفتهم في الجنة غلمان لهم، كأنهم لؤلؤ في بياضه وصفائه مكنون، يعني: مصون في كن، فهو أنقى له، وأصفى لبياضه. وإنما عنى بذلك أن هؤلاء الغلمان يطوفون على هؤلاء المؤمنين في الجنة بكؤوس الشراب التي وصف جل ثناؤه صفتها.أهـ

وكما قال القرطبي في تفسيره : وليس في الجنة نصب ولا حاجة إلى خدمة، ولكنه أخبر بأنهم على نهاية النعيم.
وعن الحسن أنهم قالوا: يا رسول الله إذا كان الخادم كاللؤلؤ فكيف يكون المخدوم؟ فقال: (ما بينهما كما بين القمر ليلة البدر وبين أصغر الكواكب).
فهؤلاء الغلمان غير مخلوقين للشهوة الجنسية، وهذا التصور لا يرد على الذهن.

قال الشيخ السعدي في تفسيره لوظيفة غلمان أهل الجنة:
غِلْمَانٌ لَهُمْ أي: خدم شباب كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ من حسنهم وبهائهم، يدورون عليهم بالخدمة وقضاء ما يحتاجون إليه، وهذا يدل على كثرة نعيمهم وسعته، وكمال راحتهم. انتهى
فمن كمال نعمة الله على أهل الجنة أن جعلهم مخدومين ، وأن الذي يقوم بهذه الخدمة هم الغلمان المخلدون، فقال تعالى:” وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ “وهؤلاء الغلمان غير مخلوقين للشهوة الجنسية، وتصور طلب أهل الجنة لتلبية الشهوة الجنسية مع هؤلاء الغلمان لا يرد على الذهن.
والقول بأن تفسيرات الجنة محدودة بقدرتنا على التصور أو إن شئت بقدرتنا على الاشتهاء وكما أن المؤمن السوي يستمتع بأنثى اسمها حور عين فكذلك من ابتلى بهوى الغلمان في الدنيا .. يمتعه الله بكائنات مذكرة اسمها الولدان المخلدون، فيرد عليه أنه من قال هذا لا يعرف أن الله سبحانه وتعالى عندما يدخل الناس الجنة ينزع من القلوب الشهوات العفنة كشهوة الانتقام، والغيرة الزوجية، وكذلك شهوة الشرب من خمر الجنة وذلك لمن شرب خمر الدنيا ولم يتب منها.
فإن الرسول قد أخبر عن شارب الخمر أنه سيحرم من التلذذ بشربها في الآخرة إذا لم يتب، فقد روى البخاري بسنده عن عبدِ الله بْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّه عَنْهمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا حُرِمَهَا فِي الْآخِرَةِ».
وقد خرَّج الإمام ابن الجوزي هذا الحديث على الحقيقة، وأن شارب الخمر عقوبته أنه سيحرم من شرب خمر الجنة عندما يدخلها فعقوبة على معصيته في الدنيا لن يشرب من أنهار الخمر، وبيّن ابن الجوزي أن هذا الحرمان لن ينغص عليه تلذذه بالنعيم في الجنة، ولن يكدره فواته نعيم من نعيم أهل الجنة، وعلَّل هذا في كتابه كشف المشكل بـ “أنه لا يشتهيها، أو يصرف عن قلبه حبها وذكرها، لكن قد فاتته لذَّةٌ عظيمة كما تفوته منزلة الشهداء ومنازل الأنبياء.
الشاهد من هذا أن الاشتهاء المحرم ينزعه الله من القلوب، فلا تشتهي النفس المنعمة في الجنة هذه الشهوات المرذولة ، وبهذا لا وجه لكلام أصحاب الهوى عن خواطر المسلم في المسألة الجنسية بالإضافة إلى أنه لا سلف لهم فيما يقولون.