قال الله سبحانه وتعالة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۗ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ ۖ هَٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ (35) سورة التوبة

خص الله تعالى هذه الأعضاء لأنها أكثر إيلاما ، ولأن لها دخلاً في منع الزكاة ، حين يعرض الغني عن الفقير بوجهه أو يعبس بوجهه في وجه الفقير ، ثم يعرض عنه بجنبه ، ثم يوليه ظهره مبالغة في الإعراض.

وخص الله تعالى الذهب والفضة لأنهما يُخفَيان ولا يطلع عليهما الناس كسائر الأموال ، وهذا الحكم أو هذا الوعيد ثابت في حق سائر الأموال ، خاصة النقود التي حلت محلهما في التعامل . وقد وردت أحاديث صحيحة متفق عليها ، فيها وعيد شديد لمانعي الزكاة من الأنعام بأنواعها المختلفة من الإبل والبقر والغنم ، والخيل أيضاً.

قال الشيخ عطية صقر ، رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقاً:

يقول الله ـ تعالى: { والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم }. هاتان الآيتان من سورة: التوبة.

وقال القرطبي في التفسير:
الكي في الوجه أشهر وأشنع، وفى الجنب والظهر آلم و أوجع؛ فلذلك خصها بالذكر من بين سائر الأعضاء.
وقال علماء التصوف: لما طلبوا المال والجاه شان الله وجوههم، ولما طووا كشحا من الفقير إذا جالسهم، كويت جلودهم، والكشح: هو الجنب.
ولما أسندوا ظهورهم إلى أموالهم ثقة بها واعتمادا عليها، كويت ظهورهم.
وقال علماء الظاهر: أي: غير الصوفية إنما خص هذه الأعضاء لأن الغني إذا رأى الفقير ذوى ما بين عينيه وقبض وجهه، وإذا سأله طوى كشحه، وإذا زاده في السؤال وأكثر عليه ولاه ظهره.
رتب الله العقوبة على حال المعصية.
وهذه آراء اجتهادية لا مانع من قبولها في تفسير هذه الآية، وفي عذاب مانع الزكاة نصوص كثيرة في القرآن والسنة يسهل الرجوع إليها.

كما قال القرطبي:
(وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ):‏ ‏الكنز أصله في اللغة الضم والجمع .
ولا يختص ذلك بالذهب والفضة. ألا ترى قوله عليه السلام: (ألا أخبركم بخير ما يكنز المرء المرأة الصالحة).
أي يضمه لنفسه ويجمعه.

وخص الذهب والفضة بالذكر لأنه مما لا يطلع عليه, بخلاف سائر الأموال.(انتهى)