سؤال إبراهيم عليه السلام لربه سبحانه وتعالى أن يرى إحياء الموتى لم يكن شكا ،والرد على هذه الشبهة فيما يلي:
أن الشك في قدرة الله تعالى كفر ،والأنبياء معصومون من الوقوع في الكبائر والصغائر.

أن إبراهيم عليه السلام أراد أن يرتقي من علم اليقين إلى عين اليقين.
أن قلب إبراهيم عليه السلام كان مطمئنا ،ولكنه أراد أن يزداد اطمئنانا.
أن إبراهيم عليه السلام أراد العلم العيني بعد العلم القلبي .
والدليل على عدم شك إبراهيم عليه السلام أنه قال للنمروذ عند مجادلته :(ربي الذي يحيي ويميت).
أما الحديث الوارد في البخاري (نحن أحق بالشك من إبراهيم ) فمعناه : لو شك إبراهيم ،لكنا أحق بالشك منه ،ولكن إبراهيم لم يشك ،فليس لنا أن نشك في قدرة الله تعالى .

فقلب إبراهيم عليه السلام لم يكن به شيء ،وهو نبي معصوم من الخطأ،فقلبه لم يكن به شيء أو فساد ،حتى يستشهد بحديث صلاح الجسد ،بصلاح القلب ،فقد كان إبراهيم عليه السلام أنقى عصره قلبا .

يقول الإمام ابن كثير في تفسير هذه الآية:

ذكروا لسؤال إبراهيم عليه السلام أسبابا منها أنه لما قال لنمرود ” ربي الذي يحيي ويميت ” أحب أن يترقى من علم اليقين بذلك إلى عين اليقين وأن يرى ذلك مشاهدة فقال ” رب أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي ” .

وجاء في تفسيرالإمام القرطبي -بتصرف- :

اختلف الناس في هذا السؤال هل صدر من إبراهيم عن شك أم لا ؟
فقال الجمهور : لم يكن إبراهيم عليه السلام شاكا في إحياء الله الموتى قط وإنما طلب المعاينة , وذلك أن النفوس مستشرفة إلى رؤية ما أخبرت به , ولهذا قال عليه السلام : ( ليس الخبر كالمعاينة ) .رواه ابن عباس ولم يروه غيره , قاله أبو عمر .
قال الأخفش : لم يرد رؤية القلب وإنما أراد رؤية العين .

وقال الحسن وقتادة وسعيد بن جبير والربيع : سأل ليزداد يقينا إلى يقينه .

أما حديث أبي هريرة الذي خرجه البخاري ومسلم عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن ؟ قال بلى ولكن ليطمئن قلبي , ويرحم الله لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي ) .

قال ابن عطية : أما قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( نحن أحق بالشك من إبراهيم ) فمعناه أنه لو كان شاكا لكنا نحن أحق به، ونحن لا نشك، فإبراهيم عليه السلام أحرى ألا يشك , فالحديث مبني على نفي الشك عن إبراهيم , والذي روي فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( ذلك محض الإيمان ) إنما هو في الخواطر التي لا تثبت , وأما الشك فهو توقف بين أمرين لا مزية لأحدهما على الآخر , وذلك هو المنفي عن الخليل عليه السلام . وإحياء الموتى إنما يثبت بالسمع وقد كان إبراهيم عليه السلام أعلم به , يدلك على ذلك قوله : ” ربي الذي يحيي ويميت ” [ البقرة : 258 ] فالشك يبعد على من تثبت قدمه في الإيمان فقط فكيف بمرتبة النبوة والخلة , والأنبياء معصومون من الكبائر ومن الصغائر التي فيها رذيلة إجماعا .

وإذا تأملنا سؤاله عليه السلام وسائر ألفاظ الآية لم تعط شكا , وذلك أن الاستفهام بكيف إنما هو سؤال عن حالة شيء موجود متقرر الوجود عند السائل والمسئول , نحو قولك : كيف علم زيد ؟ وكيف نسج الثوب ؟ ونحو هذا . ومتى قلت : كيف ثوبك ؟ وكيف زيد ؟ فإنما السؤال عن حال من أحواله . وقد تكون ” كيف ” خبرا عن شيء شأنه أن يستفهم عنه بكيف , نحو قولك : كيف شئت فكن , ونحو قول البخاري : كيف كان بدء الوحي . و ” كيف ” في هذه الآية إنما هي استفهام عن هيئة الإحياء , والإحياء متقرر .

قلت(القرطبي) : هذا ما ذكره البعض من أن إبراهيم شك ،فإنه لا يجوز على الأنبياء صلوات الله عليهم مثل هذا الشك فإنه كفر , والأنبياء متفقون على الإيمان بالبعث . وقد أخبر الله تعالى أن أنبياءه وأولياءه ليس للشيطان عليهم سبيل فقال : ” إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ” [ الحجر : 42 ] وقال اللعين : إلا عبادك منهم المخلصين , وإذا لم يكن له عليهم سلطنة فكيف يشككهم , وإنما سأل أن يشاهد كيفية جمع أجزاء الموتى بعد تفريقها وإيصال الأعصاب والجلود بعد تمزيقها , فأراد أن يترقى من علم اليقين إلى عين اليقين , فقوله : ” أرني كيف ” طلب مشاهدة الكيفية .