مما لا شك فيه أن الذنوب والمعاصي تؤثر على أصحابها في الحياة الدنيا ، وللمعصية شؤم ـ والعياذ بالله ـ لا يلحق المذنب فقط بل يتعداه أحيانا إلى غيره ، والله سبحانه وتعالى جعل لعباده المؤمنين مكفرات لهذه الذنوب فكل ما يصيب المؤمن يكفر عنه ذنوبه ، حتى الشوكة يشاكها ، ومن ذلك سكرات الموت ، يكفر الله بها ذنوب عباده الصالحين .

يقول الشيخ محمد صالح المنجد:

لا شك أن اقتراف الذنوب من أسباب غضب الله عز وجل ومن أسباب محق البركة وحبس الغيث ، وتسليط الأعداء كما قال سبحانه : (وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَونَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ) الأعراف/30 ، وقال سبحانه : (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) العنكبوت/40

والآيات في هذا المعنى كثيرة ، وصح عن النبي أنه قال : ( وإن العبد ليُحرم الرزق بالذنب يصيبه ) فالواجب على كل مسلم ومسلمة الحذر من الذنوب والتوبة مما سلف منهما مع حسن الظن بالله ورجائه سبحانه المغفرة والخوف من غضبه وعقابه ، كما قال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم عن عباده الصالحين : (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) الأنبياء/90 ، وقال سبحانه وتعالى : (أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا) الإسراء/57 ، وقال عز وجل : (لْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) التوبة/71 .

ويُشرع للمؤمن والمؤمنة مع ذلك الأخذ بالأسباب التي أباح الله عز وجل وبذلك يجمع بين الخوف والرجاء والعمل بالأسباب متوكلاً على الله سبحانه معتمد عليه في حصول المطلوب والسلامة من المرهوب والله سبحانه هو الجواد الكريم القائل عز وجل : (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) الطلاق/2-3 ، والقائل سبحانه : (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) الطلاق/4 ، وهو القائل سبحانه : (زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) النور/31 ، فالواجب إخلاص التوبة إلى الله سبحانه مما سلف من الذنوب والاستقامة على طاعته مع حسن الظن به عز وجل والحذر من غضبه .

أهـ

أما عن سكرات الموت والمرض وتكفير الذنوب فيقول الشيخ ابن عثيمين في الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة :

كل ما يصيب الإنسان من مرض أو شدة أو همّ أو غمّ حتى الشوكة تصيبه فإنها كفارة لذنوبه ، ثم إن صبر واحتسب كان له مع التكفير أجر ذلك الصبر الذي قابل به هذه المصيبة التي لحقت به ، ولا فرق في ذلك بين ما يكون عند الموت وما يكون قبله ، فالمصائب كفارات للذنوب بالنسبة للمؤمن ويدل على هذا قوله تعالى : (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) الشورى: 30 ، فإذا كان ذلك بما كسبت أيدينا دل هذا على أنها مكفرة لما عملناه منها وكسبناه ، وكذلك أخبر النبي عليه الصلاة والسلام بأنه لا يصيب المؤمن همٌّ ولا غمٌّ ولا أذىً حتى الشوكة يشاكها إلا كفَّر الله بها عنه من خطاياه.