ما يُعانيه الإنسان عند احتضاره من الأمور الغيبية التي لا يعلمها إلا الله تعالى ، وعلى المسلم أن يؤمن بالغيب وأن يعتقد ما جاء به الوحي دون الحاجة إلى الخوض في تفاصيله، وأن يجعل همه الاستعداد للقاء الله تعالى بصالح العمل .

يقول الشيخ عطية صقر ـ رحمه الله ـ :

إنَّ أمْرَ الرُّوح وأحوال الآخرة من الأمور المَغيبة التي لا تُعلم إلا بالأخبار الصادقة من القرآن الكريم والسُّنة النبوية الصحيحة، وقد كثرت الأقوال عنها وتعددت الاجتهادات، والتمس البعض لآرائهم واجتهاداتهم سندًا من تأويل القرآن في نصوصه التي تحتمل أكثر من معنى ولا تفيد القطع في الدلالة، ومن روايات ضعيفة أو مكذوبة على النبي ـ صلى الله عليه وسلم.

وخروج الرُّوح من الإنسان انتقال من عالم الشهادة إلى عالم الغيب، ومن الدنيا إلى الآخرة، وقد يكون خروجها سهلاً هينًا، أو فَجْأة لا تسبقها معاناة، وقد يكون خروجها مصحوبًا بالْكَرْبِ والشِّدة، ولكن لا يصحُّ أن يكون هناك ربط بين سُهولة خروجها، وكرامة صاحبها فقد يكون العكس، ولا بين المعاناة عند خروجها وهوان صاحبها عند الله، فقد يكون العكس، فكثيرًا ما نرى أشرارًا ماتوا فجأة أو انسَلَّت أرواحهم في لحظات، وكثيرًا ما نرى صالحين ظلُّوا أيامًا أو ساعات طوالاً وهم يجودون بأنفاسهم الأخيرة حالَ الاحتضار، ففي الترمذي عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: رأيتُ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو بالموت وعنده قَدَحٌ فيه ماء يُدخل يده في القَدَحِ ثم يمَسح بالماء ثم يقول: “اللَّهُمَّ أعِنِّي على سَكَرَاتِ الموت” وحِكمة هذه الشدة على الأخيار الابتلاء والاختبار ورفْع الدرجات.

أما مَلَكُ الموت فتقول الروايات: إنه كان يأتي للمُحْتَضر عيانًا ويعرفه، فرحِم الله الأمة المُحَمدية، ومنع ظهوره للموتى بصورة تُدْخِلُ الرُّعْبَ في قلوب المؤمنين، ومن الثابت أن الملائكة المُوكَّلة بقبض الرُّوح تنزل إلى المُحْتضر، ويراها وتبشِّره بالخير إن كان مؤمنًا على ما فُسِّر به قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) (سورة فصلت : 30).

وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ دخل على أبي سلمة ـ رضي الله عنه ـ وهو في الموت فلما شُق بصره، أي شَخَص، مدَّ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يده فَأَغْمَضَه ، فلمَّا أَغْمَضَه صاحَ أهل البيت فسكَّتهم وقال: “إن النَّفس إذا خرجت يتبعُها البصرُ، وإن الملائكة، تحضر الموت، فيُؤمِّنون على ما يقول أهل الميت” ثم قال : “اللَّهُمَّ ارْفَع درجة أبي سلمة في المهديين، واخْلُفْهُ في عَقْبِه في الآخرين، واغفر لنا وله يوم الدين”.

ذلك شيء مما جاء في الكتب المَعنية بأمور الموت، ومع ذلك نُكَرِّر ما قلناه من أن كل الأحوال الأخروية ومقدماتها لا تُعلمُ إلا بخبر صادق، فينبغي عدم الإكثار من الجدال فيها، ولنهتم بالعمل الصالح الذي يختم الله به حياتنا بالحُسنى، ولنحسن الظن بالله كلما اقترب الأجل، فهو سبحانه عند حُسْن ظنِّ عبده به، وبخاصة عند القدوم عليه، ومن أحبَّ لقاء الله أحبَّ الله لقاءه.