نعرف في عصرنا حيوانات غير سائمة، تُتخذ للألبان خاصة، وتدر دخلاً وفيرًا على أصحابها، ونعرف في بعض البلاد دود القز الذي يربى على ورق التوت ونحوه، وينتج ثروة من الحرير الفاخر، ونعرف مزارع الدواجن التي تنتج كميات هائلة من البيض، أو تسمن للحم، ولم يعرف المسلمون في عصر النبوة وعصر الصحابة ومن بعدهم هذه الثروات النامية، ولهذا لم يصدروا فيها حكمًا.
ولمرفة هذا الموضوع نعود لما ذكره الفقهاء في تعليل عدم وجوب الزكاة في ألبان السائمة، ووجوبها في عسل النحل، وكلاهما خارج من حيوان، فقد قالوا في التفريق بين لبن السائمة وعسل النحل: إن اللبن خارج من حيوان وجبت الزكاة في أصله وهي الأنعام السائمة بخلاف العسل، ومفهوم هذا: أن ما لم تجب الزكاة في أصله، تجب في نمائه وإنتاجه، وهذا يعني قياس ألبان البقر ونحوها من المنتجات الحيوانية على عسل النحل، فإن كلاً منها خارج من حيوان لم تجب الزكاة في أصله.
ولهذا نرى أن نعامل المنتجات الحيوانية كالألبان وملحقاتها معاملة العسل، فيؤخذ العشر من صافي إيرادها (وهذا في الحيوانات غير السائمة التي تتخذ للألبان خاصة، ما لم تعتبر الحيوانات نفسها ثروة تجارية).
والقاعدة التي نخرج بها هنا: أن ما لم تجب الزكاة في أصله، تجب في نمائه وإنتاجه، كالزرع بالنسبة للأرض، والعسل بالنسبة للنحل، والألبان بالنسبة للأنعام، والبيض بالنسبة للدجاج، والحرير بالنسبة للدود، وهذا ما ذهب إليه الإمام يحيى من فقهاء الشيعة، فأوجب الزكاة في القز كالعسل، لتولدهما من الشجر، لا في دوده كالنحل، إلا إذا كان للتجارة (البحر الزخار: 173/2).
على أن من الفقهاء من نظر إلى الحيوانات غير السائمة التي تتخذ للنتاج والاستغلال نظرة أخرى، فقاسها على عروض التجارة، وأوجب تقويمها كل عام مع نتاجها، وإخراج ربع العشر من رأس المال ونمائه معًا.
وهذا مروي عن جماعة من فقهاء الزيدية كالهادي والمؤيد بالله وغيرهما.
فمن اشترى فرسًا ليبيع نتاجها أو بقرة ليبيع ما يحصل من لبنها وسمنها، ودود قز ليبيع ما يحصل منه، ونحو ذلك، قوَّمها في آخر الحول مع نتاجها وزكَّاها كالتجارة (انظر شرح الأزهار وحواشيه: 475/1).
وليس هذا مقصورًا عندهم على الحيوانات المنتجة، بل يشمل كل مال يستغل وينتج في غير التجارة، كالدور التي تُكرى ونحوها، ونكتفي هنا بأن نقول: إن قياس المنتجات الحيوانية على العسل قياس صحيح، ولا معارض له، فلا ينبغي العدول عنه.