اختلف العلماء قديما وحديثا حول مشروعية رفع اليدين فيما عدا تكبيرة الإحرام في صلاة الجنازة– بعد اتفاقهم على مشروعية الرفع أثناء تكبيرة الإحرام- ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رفع في هذه التكبيرات، كما لم يصح أنه نهى عن الرفع فيها.

ولكنه صح عن سيدنا عبد الله بن عمر أنه رفع يديه في جميع تكبيرات الجنازة، ولما كان قول الصحابي وفعله لا يدل على المشروعية وجدنا من العلماء من يرى عدم مشروعية الرفع- مثل الإمام أبي حنيفة وغيره-.

ورأى بعض العلماء أن عبد الله بن عمر ما كان ليرفع يديه هكذا من تلقاء نفسه، بل لا بد أنه سمع هذا أو رآه من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وهذا سبب كاف في إثبات المشروعية….وهذا ما عليه جمهور الفقهاء…. وهكذا فالخلاف في المسألة سائغ مقبول لتقارب الأدلة.

ويحسن أن ننسب هنا الأقوال لقائليها :

أولا : المانعون:

1- الإمام أبو حنيفة والثوري وآل البيت والشوكاني:

قال الشوكاني في نيل الأوطار :

وقد اختلف في مشروعية الرفع عند كل تكبيرة ؛ فذهب الشافعي إلى أنه يشرع مع كل تكبيرة .

وحكاه ابن المنذر عن ابن عمر وعمر بن عبد العزيز وعطاء وسالم بن عبد الله وقيس بن أبي حازم والزهري والأوزاعي وأحمد وإسحاق واختاره ابن المنذر .

وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحاب الرأي : إنه لا يرفع عند سائر التكبيرات بل عند الأولى فقط .

وعن مالك ثلاث روايات : الرفع في الجميع ، وفي الأولى فقط ، وعدمه في كلها .

وقالت العترة بمنعه في كلها .

احتج الأولون بما أخرجه البيهقي عن ابن عمر ، قال الحافظ بسند صحيح .

وعلقه البخاري ووصله في جزء رفع اليدين : { إنه كان يرفع يديه في جميع تكبيرات الجنازة } .

ورواه الطبراني في الأوسط ترجمة موسى بن عيسى مرفوعا وقال : لم يروه عن نافع إلا عبد الله بن محرز ، تفرد به عباد بن صهيب ، قال في التلخيص : وهما ضعيفان ورواه الدارقطني من طريق يزيد بن هارون عن يحيى بن سعيد عن نافع عنه مرفوعا ، لكن قال في العلل : تفرد برفعه عمر بن شبة عن يزيد بن هارون .

ورواه الجماعة عن يزيد موقوفا وهو الصواب .

وروى الشافعي عمن سمع سلمة بن وردان يذكر عن أنس أنه كان يرفع يديه كلما كبر على الجنازة وروى أيضا الشافعي عن عروة وابن المسيب مثل ذلك .قال : وعلى ذلك أدركنا أهل العلم ببلدنا .

واحتج القائلون بأنه لا يرفع يديه إلا عند تكبيرة الافتتاح بما رواه الدارقطني من حديث ابن عباس وأبي هريرة ” أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى على الجنازة رفع يديه في أول تكبيرة ثم لا يعود ” قال الحافظ : ولا يصح فيه شيء .

وقد صح عن ابن عباس ” أنه كان يرفع يديه في تكبيرات الجنازة ” رواه سعيد بن منصور ا هـ واحتجوا أيضا بما أخرجه الترمذي عن أبي هريرة { أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر على جنازة فرفع يديه في أول تكبيرة ووضع اليمنى على اليسرى } وقال : غريب ، وفي إسناده يزيد بن سنان الرهاوي وهو ضعيف عند أهل الحديث.

والحاصل أنه لم يثبت في غير التكبيرة الأولى شيء يصلح للاحتجاج به عن النبي صلى الله عليه وسلم وأفعال الصحابة وأقوالهم لا حجة فيها ، فينبغي أن يقتصر على الرفع عند تكبيرة الإحرام ؛ لأنه لم يشرعفي غيرها إلا عند الانتفال من ركن إلى ركن كما في سائر الصلوات ، ولا انتقال في صلاة الجنازة .انتهى.

2- ابن حزم، قال في المحلى (5 / 128):

” وأما رفع الايدي فإنه لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رفع في شئ من تكبيرة الجنازة إلا في أول تكبيرة فقط، فلا يجوز فعل ذلك، لانه عمل في الصلاة لم يأت به نص، وإنما جاء عنه عليه السلام أنه كبر ورفع يديه في كل خفض، ورفع، وليس فيها رفع وخفض، والعجب من قول أبي حنيفة برفع الايدي في كل تكبيرة في صلاة الجنازة، ولم يأت قط عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومنعه من رفع الايدي في كل خفض ورفع في سائر الصلوات، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم “.

3- من المعاصرين الشيخ سيد سابق- رحمه الله- قال في فقه السنة :

“والسنة عدم رفع اليدين في صلاة الجنازة، إلا في أول تكبيرة فقط، لأنه لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رفع في شئ من تكبيرات الجنازة إلا في أول تكبيرة فقط.”انتهى.

4- من المعاصرين الشيخ الألباني– رحمه الله- قال في كتابه أحكام الجنائز :

ولم نجد في السنة ما يدل على مشروعية الرفع في غير التكبيرة الاولى، فلا نرى مشرعية ذلك، وهو مذهب الحنفية وغيرهم، واختاره الشوكاني وغيره من المحققين، وإليه ذهب ابن حزم ………نعم روى البهقي (4 / 44) بسند صحيح عن ابن عمر أنه كان يرفع يديه على كل تكبيرة من تكبيرات الجنازة.

فمن كان يظن أنه لا يفعل ذلك إلا بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم، فله أن يرفع، وقد ذكر السرخسي عن ابن عمر خلاف هذا، وذلك مما لا نعرف له أصلا في كتب الحديث.

ثانيا : المجيزون:

الإمام أحمد والشافعي، ورواية عند الإمام مالك، جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية :

اتفق الفقهاء على أن المصلي صلاة الجنازة يرفع يديه حذو منكبيه في التكبيرة الأولى .

ثم اختلفوا في رفع اليدين في باقي التكبيرات :

فذهب الشافعية والحنابلة وهو رواية عن مالك – وإليه ذهب كثير من مشايخ بلخ من الحنفية – إلى أن المصلي يرفع يديه في كل تكبيرة .

ولم ير الحنفية في ظاهر الرواية ولا مالك في الرواية الثانية – وهي الراجحة عندهم – رفع اليدين في باقي التكبيرات .انتهى.

من المعاصرين الشيح ابن باز،يقول- رحمه الله-:

السنة رفع اليدين مع التكبيرات الأربع كلها ; لما ثبت عن ابن عمر وابن عباس أنهما كانا يرفعان مع التكبيرات كلها , ورواه الدارقطني مرفوعا من حديث ابن عمر بسند جيد.انتهى.

3- من المعاصرين – الشيخ ابن العثيمين- رحمه الله-  قال في الشرح الممتع :

والصواب أنه يرفع يديه مع كل تكبيرة، وفي تكبيرات الجنازة أيضا؛ لأن هذا ورد عن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ، ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافه، ومثل هذا العمل لا مدخل للاجتهاد فيه؛ لأنه عبادة فهو حركة في عبادة، فلا يذهب إليه ذاهب من الصحابة إلا وفيه أصل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد صح عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ: «أنه كان يرفع يديه في تكبيرات الجنازة مع كل تكبيرة» ، بل إنه روي عنه مرفوعا، ومنهم من صححه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم.