يقول فضيلة الشيخ محمد رشيد رضا-رحمه الله-:
لا دليل في الكتاب ولا في السنة على تحريم حمل الميت على عربة من غير تشبه بغير المسلمين في دينهم ؛ لا سيما إذا كان هناك مصلحة ؛ لأن المراد بحمله : نقله وإيصاله إلى القبر ليدفن .

وقد كانوا يحملون النعش في صدر الإسلام بالكيفية المعروفة في زمنهم ، ولم يقل الشارع : إن هذه الكيفية تعبدية ، لا ترفعها المشقة التي تجلب التيسير، ولو كانت الوسائل العادية التي كانوا يفعلونها واجبة على سبيل التعبد بمجرد جريهم عليها ، لوجب علينا أن لا نقاتل إلا بمثل سلاحهم ، وإن سحقتنا المدافع سحقًا ، وأن لا نلبس إلا مثل ملابسهم ، وإن سبقتنا الأمم في النشاط سبقًا .

أما التشبه المحظور في مثل هذا العمل ، فهو ما يشتبه فيه المتشبه بالمتشبه به في أمر من أمور دينه ، ويكون ذلك عن قصد ، وما أغنى المسلمين عن هذا ؛ إذ يحتاجون إلى نقل ميتهم على عربة ، فالعربات التي ينقل عليها أهل الكتاب أمواتهم لها شكل مخصوص مزين بالتماثيل ، لا يحتاج المسلم إلى مثله قط، ولا نفتيه باتخاذه ، وإن لم يقصد التشبه بهم ، على أن هذا الشكل من عاداتهم لا من عباداتهم.

وبهذا نعلم أن المسألة مسألة عادات وتقاليد ، ونحن نتبع المصلحة في العادات ، ومتبع المصلحة لا يسمى متشبهًا بمن سبقه إليها ، ولا مقلدًا له على أن تشبهنا بغيرنا في عادة له لم يحرم علينا ، ما لم يكن فيه مفسدة وضرر فله حينئذ حكمه .