تصرية الإبل والغنم ، هو حبسها عن أخذ اللبن منها، فلا يحلبها أياما ، حتى يظن من يريد شراءها أنها كثيرة اللبن ، وقد نهى النبي عن مثل هذا الفعل لما فيه من الغش ، وقد أثبت العلماء الخيار بالعيب بمثل هذا الحديث ، وقد اختلف العلماء هل التصرية عيب، وعليه الجمهور ،ويرى أبو حنيفة أنه ليس عيبا .
وقد خير الحديث من اشترى ناقة مصراة أن يمسكها ، أو يردها وصاعا من تمر .

يقول الدكتور محمد بن محمد المختار الشنقيطي أستاذ الشريعة بجامعة المدينة المنورة في شرح زاد المستنقع:
من الحديث والسُّنة ثبت عنه-عليه الصلاة والسلام- في الصحيح من حديث أبي هريرة– رضي الله عنه – في حديث المصراة قال – : (( لا تصروا الإبل ولا الغنم فمن ابتاعها فهو بخير النظرين إن شاء أمسكها وإن سخطها ردها وصاعاً من تمر )) هذا الحديث حديث عظيم وفرع عليه العلماء-رحمهم الله- مسائل العيوب وحاصله أن النبي- – نهى فيه المسلم عن أن يصر الإبل والغنم وفي حكمهما بقية الدواب ما معنى تصر الإبل والغنم ؟ كانوا في القديم يأخذون الناقة ويمتنعون من حلبها ثلاثة أيام أو يومين أو أربعة فينتفخ اللبن في ضرعها فإذا رآها رجل ظنها كثيرة اللبن فاشتراها على أنها حلوب ثم تبين أن حليبها ليس بالصفة التي اشتراها عليه هذا يعتبر أولاً تصرية أن يمتنع من حلب الشاة وحلب الناقة مدة حتى يكثر أو يعظم اللبن في ضرعها . قال – : (( لا تصروا الإبل ولا الغنم فمن ابتاعها )) يعني اشتراها أي من اشترى شاة أو ناقة محفلة ومصراة (( فمن ابتاعها فهو بخير النظرين )) يعني أنه بين أمرين (( إن شاء أمسكها )) يعني إن رضيها قال رضيتها والله عز وجل يعوضني في الآخرة وسكت عن العيب فهذا حقه كما لو سامح المسلم المسلم في حقه وإما أن يسخطها فيردها على صاحبها فقال-عليه الصلاة والسلام- : (( وإن سخطها ردها وصاعاً من تمر )) أي رد الناقة ورد الشاة وصاعاً من تمر معها صاعاً من تمر جبراناً لذلك النقص الذي استفاده من حلبها في الأيام الماضية هذا بالنسبة لحديث المصراة دل هذا الحديث على إثبات خيار العيب ؛ لأن النبي – – قال : (( فمن ابتاعها )) يعني اشتراها (( فهو بخير النظرين )) فقوله : (( هو بخير النظرين )) يدل على أن من اشترى شيئاً معيباً أنه بخير النظرين إما أن يمسك وإما وأن يرد .
وفي هذا الحديث دليل – أيضاً – على حرمة التدليس والغش لأنه قال : (( لا تصروا )) والنهي للتحريم ؛ لأن القاعدة : ” أن النهي يحمل على ظاهره الموجب للتحريم حتى يدل الدليل على خلاف ذلك ” .

وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية :
ذهب الأئمة : مالك والشافعي وأحمد ، وأبو يوسف
إلى أن تصرية الحيوان عيب يثبت الخيار للمشتري . ويستوي في ذلك الأنعام وغيرها مما يقصد إلى لبنه . وذلك لما فيه من الغش والتغرير الفعلي ، ولحديث : { لا تصروا الإبل والغنم ، فمن ابتاعها بعد فإنه بخير النظرين بعد أن يحتلبها : إن شاء أمسك ، وإن شاء ردها ورد معها صاعا من تمر } ويرد معها عوضا عن لبنها إن احتلب ، وهذا محل اتفاق بين هؤلاء الأئمة ، وإن اختلفوا في نوع العوض. كما اتفقوا على أن العوض خاص بالأنعام .
وذهب أبو حنيفة إلى أنه لا يرد الحيوان بالتصرية ، ولا يثبت الخيار بها ; لأن التصرية ليست بعيب ، بدليل أنه لو لم تكن مصراة فوجدها أقل لبنا من أمثالها لم يملك ردها ، والتدليس بما ليس بعيب لا يثبت الخيار . ولا يرد معها صاعا من تمر ; لأن ضمان العدوان بالمثل أو القيمة ، والتمر ليس مثلا ولا قيمة ، بل يرجع المشتري بأرش النقصان على البائع ( والأرش هنا : هو التعويض عن نقصان المبيع ) .

نوع العوض عن اللبن :
اختلف الفقهاء في رد العوض ، وفي نوعه . فذهب الإمام أحمد ، وهو الصحيح عند الشافعية ، إلى أن العوض هو صاع من تمر ، وذلك للحديث السابق ، وقد نص فيه على التمر : { وإن شاء ردها ورد معها صاعا من تمر } .
وذهب الإمام مالك إلى أن العوض هو صاع من غالب قوت البلد ، وهو القول الآخر للشافعية .
وقال مالك : إن بعض ألفاظ الحديث جاء فيها : { فإن ردها رد معها صاعا من طعام } وتنصيص التمر في الحديث ليس لخصوصه ، وإنما كان غالب قوت المدينة آنذاك .
وعند أبي يوسف يرد قيمة اللبن المحتلب ; لأنه ضمان متلف ، فكان مقدرا بقيمته كسائر المتلفات .
ثم عند الجمهور : هل يجب رد اللبن نفسه إذا كان موجودا ؟ ذهب أحمد إلى أن للمشتري رد اللبن إذا لم يتغير ، ولا يلزمه شيء آخر ، ولا يجوز للبائع رفضه . الواجب عند انعدام التمر :
ذهب الحنابلة إلى أن الواجب في هذا الحال قيمة التمر في الموضع الذي وقع فيه العقد . وذهب الشافعية – في الوجه الأصح – إلى أن عليه قيمة التمر في أقرب البلاد التي فيها تمر ، وفي الوجه الآخر عليه قيمة التمر بالحجاز . ولا يختلف الحكم عند مالك بانعدام التمر ; لأن الواجب عنده مطلقا صاع من غالب قوت أهل البلد .

ويشترط في جواز رد المصراة :
أ –
أن لا يعلم المشتري أنها مصراة ، فإن علم قبل الشراء وقبل حلبها فلا يثبت له الخيار .
ب – أن يقصد البائع التصرية ، فإن لم يقصد ذلك كأن ترك حلبها ناسيا أو لشغل ، أو تصرت بنفسها فوجهان عند الشافعية في ثبوت الخيار
. وعند الحنابلة يثبت له الخيار لدفع الضرر اللاحق بالمشتري ، والضرر واجب الدفع شرعا ، قصد أم لم يقصد ، فأشبه العيب .
ج – وأن يردها بعد الحلب ، فإن ردها قبل الحلب فلا شيء عليه بالاتفاق ; لأن الصاع إنما وجب عوضا عن اللبن المحلوب ولم يحلب . وللخبر الذي قيد رد الصاع بالاحتلاب ، ولم يوجد . وإذا أراد المشتري إمساك المصراة وطلب الأرش لم يكن له ذلك ، لأن النبي لم يجعل للمصراة أرشا ، وإنما خير المشتري بين شيئين : { إن شاء أمسك ، وإن شاء ردها وصاعا من تمر } ولأن التصرية ليست بعيب ، فلم يستحق من أجلها عوضا .
وإذا اشترى مصراتين أو أكثر في عقد واحد فردهن ، رد مع كل مصراة صاعا ، وبهذا قال الشافعي وبعض أصحاب مالك . وقال بعضهم : في الجميع صاع واحد ، لأن رسول الله قال : { من اشترى غنما مصراة فاحتلبها ، فإن رضيها أمسكها ، وإن سخطها ففي حلبتها صاع من تمر } . وللحنابلة عموم قوله { من اشترى مصراة } ومن اشترى محفلة ” وهذا يتناول الواحدة ; ولأن ما جعل عوضا عن الشيئين في صفقتين ، وجب إذا كانا في صفقة واحدة كأرش العيب .