اتفق جمهور الفقهاء على أن إمامة المرأة للرجال في الصلاة لا تجوز، وكذلك الولاية العامة.

شروط الإمامة للصلاة:

جاء في الموسوعة الفقهية عن شروط الإمامة للصلاة ما يلي : يشترط لإمامة الرجال أن يكون الإمام ذكرا , فلا تصح إمامة المرأة للرجال , وهذا متفق عليه بين الفقهاء , لما ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { أخروهن من حيث أخرهن الله } والأمر بتأخيرهن نهي عن الصلاة خلفهن .
ولما روى جابر مرفوعا : { لا تؤمن امرأة رجلا } ولأن في إمامتها للرجال افتتانا بها .
أما إمامة المرأة للنساء فجائزة عند جمهور الفقهاء ( وهم الحنفية والشافعية والحنابلة ) واستدل الجمهور لجواز إمامة المرأة للنساء بحديث { أم ورقة أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لها أن تؤم نساء أهل دارها } .”انتهى

دعاء المرأة وتأمين الرجال :

أما أن تدعو المرأة ويؤمن خلفها الرجال في غير الصلاة ،فيبحث هذا الموضوع من خلال عدة أطر:
أولها: حول آية “وقرن في بيوتكن”.
ثانيها : صوت المرأة.
ثالثها : مفهوم الإمامة و القوامة.

الإطار الأول : حول آية “وقرن في بيوتكن” .

يرى الدكتور يوسف القرضاوي أن قوله تعالى: {وقرن في بيوتكن} خاص بنساء النبي لعدة اعتبارات هي:-

1: أن الآية تخاطب نساء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما هو واضح من السياق ونساء النبي لهن من الحرمة وعليهن من التغليظ ما ليس لغيرهن. ولهذا كان أجر الواحدة منهن إذا عملت صالحاً مضاعفاً، كما جعل عذابها إذا أساءت مضاعفاً أيضاً.

2: أن أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – مع هذه الآية خرجت من بيتها وشهدت (معركة الجمل) استجابة لما تراه واجباً دينياً عليها، وهو القصاص من قتلة عثمان وإن أخطأت التقدير فيما صنعت.

3: أن المرأة قد خرجت من بيتها بالفعل وذهبت إلى المدرسة والجامعة وعملت في مجالات الحياة المختلفة طبيبة، ومعلمة، ومشرفة، وإدارية وغيرها دون نكير من أحد يعتد به، مما يعتبره الكثيرون إجماعاً على مشروعية العمل خارج البيت للمرأة بشروط.

4: أن الحاجة تقتضي من المسلمات الملتزمات أن يدخلن معركة الانتخابات في مواجهة المتحللات أو العلمانيات اللائي يزعمن قيادة العمل النسائي، والحاجة الاجتماعية وغيرها قد تكون أهم وأكبر من الحاجة الفردية التي تجيز للمرأة الخروج إلى الحياة العامة. والدعاء أهون من ذلك .

5: أن حبس المرأة المسلمة في البيت لم يعرف إلا أنه كان في فترة من الفترات قبل استقرار التشريع عقوبة لمن ارتكبت الفاحشة {فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلاً} فكيف يظن أن يكون هذا من الأوصاف اللازمة للمرأة المسلمة في الحالة الطبيعية، فإذا ثبت خصوصية نساء النبي بهذه الآيات ـ وهذا ما أعتقده ويترجح لدي ـ وإذا ظهرت صورة الواقع في أشد الحالات ضرورة للوقوف مع حق المرأة من جميع الجوانب مع أنها خرجت بالفعل. فالخروج بالنسبة لها أصبح عادة وضرورة فلها أن تمارس حقها بضوابطه.

الإطار الثاني : صوت المرأة :

قال تعالى : { فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض } .

فهم كثير من الناس بمقتضى هذه الآية أن صوت المرأة عورة ، فلا يجوز أن يسمعه الرجال إلا لضرورة ، ولكن فهم الفقهاء يختلف عن هذا فقد جاء في ” طرح التثريب ” لعبد الرحيم العراقي الشافعي :
عن بريدة { أن أمة سوداء أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجع من بعض مغازيه فقالت إني كنت نذرت إن ردك الله صالحا أن أضرب عندك بالدف قال إن كنت فعلت فافعلي وإن كنت لم تفعلي فلا تفعلي , فضربت فدخل أبو بكر وهي تضرب ودخل غيره وهي تضرب ودخل عمر فجعلت دفها خلفها وهي مقنعة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الشيطان ليفرق منك يا عمر , أنا جالس ههنا ودخل هؤلاء فلما أن دخلت فعلت ما فعلت } رواه الترمذي وقال { أن أضرب بين يديك بالدف وأتغنى فقال لها إن كنت نذرت فاضربي وإلا فلا } وزاد فيه { ثم دخل علي وهي تضرب ثم دخل عثمان وهي تضرب } وقال حديث حسن صحيح غريب .

استدل به على أن صوت المرأة ليس بعورة إذ لو كان عورة ما سمعه النبي صلى الله عليه وسلم وأقر أصحابه على سماعه , وهذا هو الأصح عند أصحابنا الشافعية لكن قالوا : يحرم الإصغاء إليه عند خوف الفتنة ولا شك أن الفتنة في حقه عليه الصلاة والسلام مأمونة ولو خشي أصحابه رضي الله عنهم فتنة ما سمعوا ; هذا إن كان حصل منها صوت بدليل قوله في رواية الترمذي ( وأتغنى ) .

وجاء في الموسوعة الفقهية :

” إذا كان مبعث الأصوات هو الإنسان , فإن هذا الصوت إما أن يكون غير موزون ولا مطرب , أو يكون مطربا . فإن كان الصوت غير مطرب , فإما أن يكون صوت رجل أو صوت امرأة , فإن كان صوت رجل : فلا قائل بتحريم استماعه . أما إن كان صوت امرأة , فإن كان السامع يتلذذ به , أو خاف على نفسه فتنة حرم عليه استماعه , وإلا فلا يحرم , ويحمل استماع الصحابة رضوان الله عليهم أصوات النساء حين محادثتهن على هذا , وليس للمرأة ترخيم الصوت وتنغيمه وتليينه , لما فيه من إثارة الفتنة , وذلك لقوله تعالى : { فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض } .”

ومقتضى هذا أي أنه ما دامت المرأة لا ترخم صوتها ، ولا تنغمه فلا حرج عليها ومن خشي علي نفسه الفتنة فلا يسمعه .

قراءة المرأة القرآن أمام الرجال:

يقول الدكتور نصر فريد واصل مفتي مصر في قراءة المرأة القرآن أمام الرجال : الإسلام لا يَسُدُّ على المرأة بابًا من أبواب الخير تتسع له طاقاتها وتُؤهِّلها له إمكاناتها، ويَحثُّها على أن تستغلَّ كل مَواهبها التي وَهَبَها اللهُ إيَّاها، شريطةَ أن تقف عند حدود الدين والأخلاق، ولا تَحرُمُ قراءتها أمام الرجال أو إظهار صوتها إن كان مُحقِّقًا لهذا الغرض الشرعيِّ إن كانت مع مَحرم لها ومع أمْن الفتنة، بشرط ألا تتكسَّر في كلامِها أو تَستثير الرجال بالمدِّ والترخيم وما إلى ذلك مما هو خارج عن حدود النطق السليم ويدعو إلى الإثارة والشهوة لدَى السامعين، لقوله تعالى مُخاطبًا نساءَ النبيِّ خاصة ونساء المؤمنين عامَّة: (يَا نساءَ النبيِّ لَسْتُنَّ كأَحَدٍ مِنَ النساءِ إنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بالقَوْلِ فيَطْمَعَ الذي في قلْبِهِ مَرَضٌ وقُلْنَ قَوْلًا مَعروفًا) (الأحزاب: 32).

ومِن هذا النُّصْح الكريم يَتَّضِحُ أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ يُحذر أمهاتِ المؤمنين، وهُنَّ الطاهرات المُطهَّرات، عن الخضوع بالقول حتى يكون في ذلك عبرةٌ وعِظةٌ لغيرهنَّ في كل زمان ومكان، فإن مخاطبةَ المرأة لغير زوجها من الرجال بطريقةٍ لَيِّنَةٍ مُثيرة للشهوات والغرائز تُؤدي إلى فسادٍ كبير وتُطمع مَن لا أخلاقَ لهم فيها. انتهى
فالعبرة في الكلام إذا ألا يكون فيه من خضوع القول ما يلفت الأنظار .

الإطار الثالث : مفهوم الإمامة و القوامة :

جاء في الموسوعة الفقهية :

” مقتضى قوامة الرجل على المرأة أن على الرجل أن يبذل المهر والنفقة ويحسن العشرة ويحجب زوجته ويأمرها بطاعة الله وينهي إليها شعائر الإسلام من صلاة وصيام , وعليها الحفظ لماله والإحسان إلى أهله والالتزام لأمره وقبول قوله في الطاعات .

وجاء في تفسير القرطبي ” قوله تعالى : ( الرجال قوامون على النساء ) ابتداء وخبر أي يقومون بالنفقة عليهن والذب عنهن.”

فلم يفضل عليها الرجل إلا في القوامة وذلك في الأسرة فقط وليس في كل الأمور .. فالآيات إنما تتكلم عن رئاسة الرجل للمرأة في نطاق الأسرة خاصة. وليس في الأمور العامة ـ فالقوامة درجة أعلى للرجل في مقابل التزامات عليه.

يقول الدكتور محمد البلتاجي حسن عميد كلية دار العلوم الأسبق ورئيس قسم الشريعة بها .

“وهذه القوامة من الرجل عليها لا تعني القهر والتسلط والاستبداد ولكن تعني الود والتراحم والمعاشرة بالحسنى ـ قال تعالى: {وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً} وقال تعالى: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون} فالمعاشرة بالمعروف والمودة والرحمة من أهم الأسس التي يقوم عليها البيت في الإسلام.”

وعن مفهوم الإمامة :

يرى الأستاذ الدكتور/ البلتاجي :أن المرأة لا تتولى الإمامة العظمى لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ “لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة” ولها أن تتولى الوظائف العامة بضوابط منها “عدم خلوة الرجل بها، وعدم سفرها سفراً غير أمين عليها وكون العمل متفقاً في طبيعته مع معالم شخصيتها المسلمة “فلا تكون باحثة عن البترول ومنقبة عن المعادن في الصحاري والجبال والمحيطات وبشرط عدم اعتراض زوجها عليها في العمل إلا أن تكون قد اشترطت عليه في العقد ألا يمنعها منه” انتهى

والذي نطمئن إليه بعد هذا العرض ، أن إمامة المرأة للرجل في الصلاة أو الإمامة الكبرى بمعنى الرئاسة لا تجوز ، أما دعاؤها أو قراءتها للقرآن بحضرة رجال ، إن خلا من فتنة ولم تتعمد ترخيم الصوت ولا ترنيمه ولا الخضوع فيه ، فهو جائز والواقع يشهد أنه كان للنساء حلق علم وكن مصدر فتوى للرجال ، ويعلمن الآن كثيرا من الرجال في الجامعات وغيرها ، ولم يقل أحد: إن هذا مخالف للإمامة الشرعية أو الولاية للرجل .

والله تعالى أعلى وأعلم .