رفع اليدين في الصلاة سنة في أربعة مواضع ، عند تكبيرة الحرام ،وعند الركوع ،وعند الرفع منه ،وعند القيام من التشهد الأوسط في الصلاة الثلاثية والرباعية ،وما عدا ذلك فضعيف لا يعمل به.

يقول الدكتور حسام الدين عفانة أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس فلسطين : :

الثابت من سنة النبي صلى الله عليه وسلم رفع اليدين في الصلاة في أربعة مواضع فقط وهي :

الأول عند تكبيرة الإحرام.

الثاني عند الركوع.

الثالث عند الرفع من الركوع.

الرابع عند القيام من التشهد الأوسط في الصلاة الثلاثية والرباعية.

هذه هي المواطن التي ثبت فيها رفع الأيدي عن النبي صلى الله عليه وسلم ودلت على ذلك الأدلة ، منها : ما رواه البخاري بسنده عن ابن عمر رضي الله عنهما قال :( رأيت النبي صلى الله عليه وسلم افتتح التكبير في الصلاة فرفع يديه حين يكبر حتى يجعلهما حذو منكبيه وإذا كبّر للركوع فعل مثله وإذا قال سمع الله لمن حمده فعل مثله وقال ربنا ولك الحمد ولا يفعل ذلـك حين يسجد ولا حين يرفع رأسه من السجود ) . ورواه مسلم بلفظ :( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة رفع يديه حتى يحاذي منكبيه وقبل أن يركع وإذا رفع من الركوع ولا يرفعهما بين السجدتين ) . وفي رواية مسلم :( ولا يفعله حين يرفع رأسه من السجود ) .
هذه الأحاديث أثبتت الرفع في ثلاثة مواطن عند تكبيرة الإحرام وعند الركوع وعند الرفع منه ، وأما الموطن الرابع وهو عند القيام من الركعتين فقد ثبت في حديث نافع أن ابن عمررضي الله عنه:( كان إذا دخل في الصلاة كبّر ورفع يديه وإذا ركع رفع يديه . وإذا قال سمع الله لمن حمده رفع يديه . وإذا قام من الركعتين رفع يديه ورفع ذلك ابن عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم ) رواه البخاري .

هذه المواطن الأربعة التي ثبت فيها رفع اليدين عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة وأما رفع اليدين عند الهوي إلى السجود وعند الرفع من السجدة الأولى وعند الهوي إلى السجدة الثانية فلم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا مذهب جماهير أهل العلم والقول بإثبات الرفع في غير المواطن الأربعة قول مخالف للصواب .

قال العلامة ابن القيم في وصفه لصلاة النبي صلى الله عليه وسلم :[ ثم كان يكبر ويخر ساجداً ولا يرفع يديه . وقد روي أنه كان يرفعهما أيضاً وصححه بعض الحفاظ كأبي محمد بن حزم رحمه الله وهو وهمٌ فلا يصح ذلك عنه البتة والذي غرّه أن الراوي غلط من قوله :( كان يكبر في كل خفض ورفع ) إلى قوله ( وكان يرفع يديه عند كل خفض ورفع ) وهو ثقة ولم يفطن لسبب غلط الراوي ووهمه فصححه والله أعلم ] زاد المعاد 1/222-223 .
وقال العلامة ابن القيم أيضاً :[ ثم كان صلى الله عليه وسلم يرفع رأسه مكبراً – من السجود – غير رافعٍ يديه ] زاد المعاد1/238 .
ويدل على عدم الرفع في غير المواطن الأربعة السابقة ما جاء في حديث ابن عمر السابق :( ولا يفعل ذلك حين يسجد ولا حين يرفع رأسه من السجود ) وفي الرواية الثانية :( ولا يرفعهما بين السجدتين ).
وفي الرواية الثالثة :( ولا يفعله حين يرفع رأسه من السجود ). وهذا النص الثابت في الصحيحين لا يصح العدول عنه حتى يقوم دليلٌ صحيحٌ يثبت الرفع ولم يقم دليلٌ على ذلك .
قال الشوكانيبعد أن ذكر بعض الروايات الواردة في رفع اليدين عند السجود وعند الرفع منه قال :[ وهذه الأحاديث لا تنتهض للاحتجاج بها على الرفع في غير تلك المواطن فالواجب البقاء على النص الثابت في الصحيحين حتى يقوم دليل صحيح يقتضي تخصيصه كما قام في الرفع عند القيام من التشهد الأوسط ] نيل الأوطار 2/204 .

وأما ما ذهب إليه الشيخ العلامة الألبانيمن إثبات رفع اليدين عند السجود وعند الرفع منه وأنه لا تعارض بين حديث ابن عمر وبين الأحاديث المثبتة للرفع عند السجود والرفع منه لأن حديث ابن عمر نافٍ والمثبت مقدم على النافي كما تقرر في علم الأصول . انظر تمام المنة في التعليق على فقه السنة ص172 .

فكلام الشيخ الألباني غير مسلَّم ، لأن النفي هنا في قوة الإثبات وابن عمر من أكثر الصحابة اتباعاً للنبي صلى الله عليه وسلم.

قال العلامة محمد بن صالح العثيمين :[ … لأن رفع اليدين عند السجود ليس بسنة فقد ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما وهو من أشد الناس حرصاً على السنة وأضبط الناس لها أنه ذكر ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه إذا كبر للإحرام وإذا كبر للركوع وإذا رفع من الركوع قال : وكان لا يفعل ذلك في السجود ولا إذا قام من السجود ) والرجل قد ضبط وفصَّل وبيَّن وليس هذا من باب النفي المجرد ، هذا نفي يدل على إثبات ترك الفعل لأن الرجل قد تحرى الصلاة وضبط تكبيره ورفعه عند الدخول في الصلاة وعند الركوع وعند الرفع منه فأثبت التكبير والرفع في ثلاثة مواضع ونفى الرفع في السجود وعند القيام من السجود.

وعلى هذا فليس من السنة أن يرفع يديه إذا سجد وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يرفع في كل خفض ورفع ولكن الحافظ ابن القيم رحمه الله ذكر أن هذا وهم وأن صواب الحديث ( كان يكبر في كل خفض ورفع ) ووجه الوهم فيه حديث ابن عمر فإنه صريح بعدم الرفع عند السجود وعند الرفع من السجود وليس هذا من باب تعارض مثبت ومنفي حتى نقول بالقاعدة المشهورة : إن المثبت مقدم على النافي لأن النفي هنا في قوة الإثبات فإنه رجل يحكي عن عمل واحد فصَّلَه قال : هذا فيه كذا وأثبته وهذا ليس فيه كذا ونفاه وفرق بين النفي المطلق وبين النفي المقرون بالتفصيل فإن النفي المقرون بالتفصيل دليل على أن صاحبه قد ضبط حتى وصل إلى هذه الحال عرف ما ثبت فيه الرفع وما لم يثبت فيه الرفع وعلى هذا فنقول إن حديث ابن عمر الثابت في الصحيحين مقدم على ذلك الحديث الضعيف والوهم فيه قريب ] الشرح الممتع على زاد المستقنع 3/149-151 .

وقال العلامة ابن عثيمين في موضع آخر :[ بالنسبة لرفع اليدين حذو المنكبين فالصواب أن الأمر فيه واسع ويكون في أربعة مواضع عند التكبير وعند الركوع وعند الرفع منه وعند القيام من التشهد الأول هذا هو الذي ثبت عنه صلى الله عليه وسلم وأما ما روي أنه يرفع في كل رفع وخفض فإن هذا من باب الوهم وهو أن الراوي نقل حكم التكبير إلى الرفع فإن الذي ثبت فعله عن النبي صلى الله عليه وسلم في كل خفض ورفع إنما هو التكبير ويدل لذلك أن ابن عمر رضي الله عنهما أخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في هذه المواضع الأربعة كما أخبر أنه لا يفعل ذلك في السجود فجزم أنه لا يفعله في السجود مما يدل على أن ابن عمر رضي الله عنهما كان مشاهداً للنبي صلى الله عليه وسلم في رفعه وعدم رفعه وعلى ذلك يكون ابن عمر رضي الله عنهما مثبتاً للترك فالصواب أنه لا رفع إلا في هذه المواضع الأربعة ] فتاوى منار الإسلام 1/162-163 .

وخلاصة الأمر أن من السنة رفع اليدين في المواضع الأربعة المذكورة ولا رفع فيما عداها .
والله أعلم