رجح الشيخ يوسف القرضاوي في كتابه ( فقه الطهارة ) جواز المسح على الجوربين أيا كانت صفتهما، رقيقين كان أو سميكين.
جاء في كتاب فقه الطهارة للشيخ الدكتور يوسف القرضاوي :-
……ويجوز المسح على الجوربين. قال ابن المنذر: يُروى إباحة المسح على الجوربين عن تسعة من أصحاب رسول الله ﷺ: علي، وعمار، وابن مسعود، وأنس، وابن عمر، والبراء، وبلال، وابن أبي أوفى، وسهل بن سعد. وزاد أبو داود: عمرو بن حريث، قال: وروي عن عمر، وابن عباس.
وهو قول عطاء، والحسن، وسعيد بن المسيب، والثوري، وابن المبارك، وإسحاق، ويعقوب، ومحمد.
وقال أبو حنيفة، ومالك، والأوزاعي، والشافعي، وغيرهم: لا يجوز المسح عليهما، إلا أن يُنْعَلا؛ لأنه لا يمكن متابعة المشي فيهما، فهما كالرقيقين.
ودليل الجواز: ما روى المغيرة بن شعبة:أن النبي ﷺ مسح على الجوربين والنعلين. رواه الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، وقال: حسن صحيح.[1] وهذا يدل على أنهما لم يكونا منعولين؛ لأنه لو كان كذلك لم يذكر النعلين، فإنه لا يقال مسحت على الجورب ونعله. ولأن الصحابة رضي الله عنهم مسحوا على الجوارب، ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم. والجورب في معنى الخف؛ لأنه ملبوس ساتر لمحل الفرض، يمكن متابعة المشي فيه، أشبه الخف. وقولهم: لا يمكن متابعة المشي فيهما. قلنا: إنما يجوز المسح على الجورب إذا ثبت بنفسه، وأمكن متابعة المشي فيه، وإلا فلا. فأما الرقيق فليس بساتر.[2]
قال النووي: الصحيح من مذهبنا: أن الجورب إن كان ضعيفا يمكن متابعة المشي عليه: جاز المسح عليه، وإلا فلا. وحكى أصحابنا عن عمر وعليٍّ رضي الله عنهما: جواز المسح على الجورب وإن كان رقيقا، وحكوه عن أبي يوسف، ومحمد، وإسحاق، وداود.
وعن أبي حنيفة: المنع مطلقا، وعنه: أنه رجع إلى الإباحة.
واحتجوا لقولهم بحديث المغيرة السابق: أن النبي ﷺ مسح على جوربيه ونعليه.
وأجاب المخالفون بتضعيف الحديث أو بتأويله.[3]
وصحح ابن دقيق العيد، والشيخ شاكر، والألباني الحديث في (إرواء الغليل) وغيره.[4]
والذي أرجحه هنا: هو القول بالتوسعة والتيسير في هذا الأمر، لأن المقصود من شرعية مسح الخفين والجوربين أصلا: هو التخفيف والتيسير والترخيص للناس. ولذا جاء في ألفاظ بعض الصحابة: أرخص لنا رسول الله ﷺ: أن لا نخلع خفافنا في الوضوء.. فإذا شددنا في شروط الخفين والجوربين: أضعنا مقصود الرخصة.
ومعظم الجوارب في عصرنا رقيقة، ولكنها قوية، وليس من الضروري إمكان متابعة المشي عليها، فإن الناس لا يمشون على الجوارب عادة. لأنهم يلبسونها مع الأحذية.
وحسبنا أن عددا غير قليل من الصحابة رضي الله عنهم ـ أوصلهم بعضهم إلى ثمانية عشر ـ أفتوا بجواز المسح على الجوربين. ولا شك أن مادة الجوارب وأشكالها تتطور وتختلف من زمن إلى آخر، ولكن هذا الاختلاف لا ينبغي أن يمس أصل الرخصة.
ومن المعروف: أن غسل الرجلين هو أشد ما في الوضوء، حتى إن بعض الناس يقول: غسل الرجلين: ربع الوضوء في الظاهر، ولكنه في الواقع أكثر من ثلاثة أرباع. لهذا كان الناس في أعمالهم اليومية، ولا سيما الذين يلبسون الأحذية على الجوارب، ويلبسون البنطلونات ونحوها، يشق عليهم غاية المشقة: خلع أحذيتهم وجواربهم للوضوء، فأكثرهم يتركون الصلاة، والعياذ بالله. فإذا أفتيناهم بجواز المسح على الجوربين فقد يسرنا عليهم أمر الصلاة. وهذا ما قاله لي بعض من أفتيتهم بهذه الرخصة. قالوا: هونت علينا بفتواك أداء الصلاة في العمل، وكانت علينا مثل الجبل، فكنا نتركها. فالحمد لله أن الله ما جعل علينا في الدين من حرج.
والله أعلم .
[1] رواه أبو داود (159) والترمذي (99) وابن ماجه (559) والإمام أحمد في المسند (4/252). قال أبو داود: كان عبد الرحمن بن مهدي لا يحدث بهذا الحديث؛ لأن المعروف عن المغيرة: أن النبي ﷺ مسح على الخفين. وقال الشيخ الألباني: إن تعليل ابن مهدي للحديث غير قادح. لأن ثبوت المسح على الخفين لا ينفي ثبوت المسح على الجوربين والنعلين إذا روى ذلك ثقة. واستدل بكلام ابن دقيق العيد في (الإحكام) وبتحقيق الشيخ شاكر على سنن الترمذي (2/167،168) انظر: تمام المنة ص112،113.
[2] انظر: الشرح الكبير في الفقه الحنبلي (2/380،381).
[3] انظر: المجموع (1/499،500).
[4] انظر: إرواء الغليل: الحديث (101). وصحيح النسائي (2/121) وابن ماجه (559).