يقول فضيلة الشيخ محمد رشيد رضا-رحمه الله-:
1 – إن ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الطب أو الزراعة وسائر أمور الدنيا لا يعد من أمور الدين التي يُبلغها عن الله تعالى وإنما يعد من الرأي،وعصمة الأنبياء لا تشمل رأيهم في أمور الدنيا، ولذلك يسمي العلماء أمر النبي صلى الله عليه وسلم بشيء من أمر الدنيا أمر إرشاد، وهو يقابل أمر التكليف، وفي مثل هذه الأمور الدنيوية قال: (أنتم أعلم بأمور دنياكم) كما في حديث البخاري، ولذلك كان أصحابه عليهم الرضوان يراجعونه أحيانًا فيما يقول من قبيل الرأي، كما ورد في وقعتي بدر وأحد، فإذا رأينا حديثًا في أمر الدنيا لم يظهر لنا وجهه فلا يرعنا ذلك، ولا نظن أن في عدم ظهور انطباقه على الواقع طعنًا في الدين، على أنه عليه أفضل الصلاة والسلام كان ذا الرأي الرشيد والفكر السديد حتى في أمر الدنيا، وإن كان كلامه فيها قليلاً؛ لأنه جاء لما هو أهم وأعظم.

2 – قوله عليه الصلاة والسلام: (العين حق) حق ثابت بالتجارب والمشاهدات في جميع الأمم والأجيال، ولفظ الحديث: (العين حق) ورد في الصحيحين، وأما حديث: (اتقوا سمّ الأعين) فلا نعرفه ولا نتذكر أننا رأيناه في شيء من كتب الحديث المعتمدة ومعناه أن تأثير العين كتأثير السم لا أن في العين سمًّا ينتقل منها إلى من تراه.

أما العلة في تأثير العين:فهي نفسية لا حسية وذلك أن لبعض النفوس تأثيرات مختلفة من أضعفها وأشهرها تأثير التثاؤب فإننا نرى كثيرًا من الناس يتثاءب لنحو نعاس فلا يلبث أن يتثاءب مَن بجانبه، ومنها ما يكون عند النظر فإننا نرى بعض الناس ينظر إلى آخر فيرتعد المنظور إليه،  ويأمره بشيء فلا يرى مندوحة من طاعته، وهو ليس له عليه أدنى سلطان، وراء هذا التأثير الذي يطلقون عليه تأثير الإرادة؛ لأنه يكون إذا أراد صاحبه أن يكون، ويدخل في هذا النوع من التأثير النفسي ما يعرف الآن بالتنويم المغناطيسي، وقد كان معروفًا عند بعض الصوفية والهنود بتأثير الهمة أو تصرف الهمة.

وإنما نسب التأثير إلى العين في عُرف الناس الذي ورد به الحديث؛ لأنه يحصل بعد النظر إلى الشيء، وفي حديث أخرجه البزار بسند حسن عن جابر نِسْبته إلى النفس.