ذكر القسطلاني في “المواهب اللدنية” وشارحه الزرقاني “ج5 ص 388” أن من خصائص الأمة المحمدية أنهم لا يجتمعون على ضلالة أي إذا اجتمعوا على حكم كان عند الله كذلك، رواه أحمد في مسنده، والطبراني في الكبير، وابن أبي خيثمة في تاريخه عن أبي بُصْرَةَ مرفوعًا إلى النبي ـ ﷺ ـ بلفظ: “سألت ربي ألا تجتمع أمتي على ضلالة فأعطانيها”.
والمراد بالأمة أمة الإجابة التي آمنت به، وليست أمة الدعوة التي أُرسل إليها فقد كفر منها الكثيرون، ورواه ابن أبي عاصم، والطبراني أيضًا من حديث أبي مالك الأشعري “إن الله تعالى أجاركم من ثلاث خلال: ألا يدعو عليكم نبيُّكم فتَهْلَكُوا جميعًا، وألا يظهر أهل الباطل على أهل الحق، وألا تجتمعوا على ضلالة”. قال السَّخَاوي في “المقاصد الحسنة” إنه حديث مشهور المتن وأسانيده كثيرة، أي متعددة الطرق والمخارج، وذلك علامة القوة، فلا ينزل عن الحسن، فقد أخرجه أبو نُعَيْم والحاكم وابن مَنْدَه عن ابن عمر مرفوعًا بلفظ: ” إن الله لا يَجمع هذه الأمة على ضلالة أبدًا، وإن يد الله مع الجماعة، فاتَّبعوا السواد الأعظم، فإنه مَن شذَّ شذ في النار” وكذا أخرجه التِّرمذي، وأخرجه أيضاً ابن ماجة والدَّارَقُطْنِيُّ عن أنس مرفوعًا، والحاكم عن ابن عباس ورفعه، وابن أبي عاصم وغيره مرفوعًا عن عقبة بن عمرو الأنصاري، وله شواهد متعدِّدة في المرفوع إلى النبي ـ ﷺ ـ كقوله: ” أنتم شهداء الله في الأرض”، وفي غير المرفوع إليه وهو الموقوف، كقول ابن مسعود: إذا سُئِلَ أحدكم فلينظر كتاب الله، فإن لم يَجد ففي سنة رسول الله، فإنْ لم يَجِد فلْينظر ما اجتمع عليه المسلمون، وإلا فليجتهد.
يقول الزرقاني: هذا، والاختلاف شامل لما كان في أمر الدين كالعقائد أو الدنيا، كالإمامة العظمى، ومعنى “فعليكم بالسواد الأعظم” الزَمُوا متابعة جماهير المسلمين الذين يجتمعون على طاعة السلطان وسلوك المنهج القويم، فهو الحق الواجب والفرض الثابت الذي يَحْرُم خلافه، فمَن خالفه مات مِيتَةً جاهلية. ثم ذكر القسطلاني عقب ذلك من فضائل الأمة المحمدية أن إجماعهم حجَّة قاطعة، وأن اختلافهم ـ أي اختلاف المجتهدين ـ رحمة أي توسعة على الناس، وذلك في الفروع، أما الاختلاف في الأصول فهو ضلال. انتهى.
وهذا لا يتعارض مع قوله تعالى: (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) (سورة الأنعام:116)؛ لأن المراد هنا أمَّة الدَّعوة، وكثير منهم لم يؤمنوا بالرسول ـ ﷺ ـ كما قال تعالى: (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) بسورة (يوسف:103)، وحُجِّيَّةُ الْإِجْمَاع أشَارَ إِلَيْها القَسْطلاني بأنها من دعائم الاجتهاد لمعرفة الأحكام الشرعية.