الحجاب بمعنى تغطية جسم المرأة كله سوى الوجه والكفين فريضة إسلامية محكمة، نص عليها القرآن، وأكدتها السنة، والتزم بها نساء الصحابة، وأجمع عليها الفقهاء،وأقرت بقيمتها الفطر السليمة.
وهذه الفريضة الإلهية لا تحتاج إذنا ولا استئذانا من بشر؛ لأن الذي فرضها هو رب البشر جميعا، ولتعلم الفتاة أهلها أن الله الذي فرض عليها طاعة والديها هو الذي منعها من طاعتهما إذا أمرا بمعصية، وولتعلمهم أنها ستحاسب بين يدي الله وحده دون أبيها أو أمها، وأن أحدا لن يدفع عنها عقاب الله يومها، ولن يستطيع،كما قال تعالى:( وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً ).
جاء في فتاوى المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث:-
إن أمر الحجاب بمعنى تغطية المرأة المسلمة جسمها كله ما عدا وجهها وكفيها -وقدميها في بعض المذاهب- فريضة إسلامية لا خلاف عليها. ثبتت فرضيتها بمحكم القرآن، وصحيح السنة، وإجماع الأمة بمختلف مذاهبها ومدارسها. لم يشذّ عن ذلك مذهب، ولم يخالف فيه فقيه، واستقر عليه العمل ثلاثة عشر قرنًا، حتى احتل الاستعمار ديار المسلمين، وفرض عليهم في حياتهم مفاهيم دخيلة انحرفت بأفكارهم، وتقاليد غريبة انحرفت بسلوكهم، وفي عصر الصحوة الإسلامية والمد الإسلامي.. بدأ المسلمون يستعيدون الثقة بأنفسهم وبدينهم، ويرجعون مختارين ومختارات إلى الالتزام بالحجاب الشرعي من قبل الفتيات والنساء المسلمات.
والذي يقرّه المجلس الأوربي للإفتاء ويؤكده: أنه لا ريب ولا خلاف في وجوب الحجاب شرعًا على كل مسلمة بالغة. ويكفي في ذلك قول الله تعالى: (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ يَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ..) سورة النور: 33.
وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ) سورة الأحزاب: 59.
وإذا كان هذا فرضًا على المسلمة فلا يجوز -في منطق الدين والأخلاق والعرف والقانون والدستور- أن تكره على تركه، مخالفة عقيدتها وضميرها. انتهى.
ويقول الدكتور محمد عبد القادر ابو فارس – رئيس مجلس الثقافة والتربية والتعليم-مدارس جمعية المركز الإسلامي الخيرية/الأردن :-
الحقيقة أن ستر الرأس واجب شرعي، بنص القرآن الكريم لقوله تعالى: “وليضربن بخمرهن على جيوبهن” والخُمُر جمع خِمار وهو غطاء الرأس، و”ليضربن” فعل مضارع مقترن بلام الأمر؛ فهو من صيغ الوجوب، فالآية توجب ستر الرأس والعنق ولا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تكشف شعرها أو عنقها.. وهذا هو التبرّج الذي نهى الله عنه في قوله: “ولا تبرّجن تبرج الجاهلية الأولى” فحرم هذا التبرج ونهى عنه، ولا نستطيع أن نفتي للأخت السائلة أن تخالف كتاب الله وسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، والأوْلى أن تتمسك بدينها، وتفضّل دينها على دنياها، وآخرتها الباقية على دنياها الفانية . انتهى.
ويقول الدكتور يوسف القرضاوي -رحمه الله تعالى-:-
إن من أعظم الفتن والمؤامرات الفكرية التي أدخلت على دنيا المسلمين تحويل المسائل اليقينية في الإسلام إلى مسائل جدلية، وجعل مواضع الإجماع القطعي موضع خلاف نظري وبذلك تنقلب المحكمات إلى متشابهات، ويسأل عنها السائلون ويختلف فيها المختلفون ويشكك فيها المشككون .
فقد أجمع المسلمون في كل أعصارهم وأمصارهم فقهاء ومحدثين ومتصوفين، ظاهرية وأهل رأي وأهل أثر، بأن شعر المرأة من الزينة التي يجب سترها، ولا يجوز كشفها للأجانب من الرجال . وسند هذا الإجماع نص صريح محكم من كتاب الله تعالى . ففي سورة النور يقول الله عز وجل: (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن) والاستدلال بالآية من وجهين:
الوجه الأول: أن الله نهى في الآية عن إبداء المرأة المؤمنة لزينتها إلا ما ظهر منها ولم يقل أحد من علماء السلف أو الخلف أن الشعر داخل في (ما ظهر منها) حتى الذين توسعوا في الاستثناء أكثر من غيرهم.
قال القرطبي في تفسير الآية:
أمر الله سبحانه وتعالى النساء بألا يبدين زينتهن للناظرين، إلا ما استثناه من الناظرين في باقي الآية حذارًا من الافتتان، ثم استثنى ما يظهر من الزينة واختلف الناس في قدر ذلك . فقال ابن مسعود ظاهر الزينة هو الثياب، وزاد ابن جبير الوجه، وقال سعيد بن جبير أيضًا وعطاء والأوزاعي: الوجه والكفان والثياب وقال ابن عباس وقتادة والمسور بن مخرمة: ظاهر الزينة هو الكحل والسوار والخضاب إلى نصف الذراع والقرط والفتخ، ” الفتخ بفتحتين جمع الفتخة خواتيم كبار تلبس في الأيدي “، ونحو ذلك . فمباح أن تبديه المرأة لكل من دخل عليها من الناس.
قال ابن عطية: ويظهر لي بحكم ألفاظ الآية أن المرأة مأمورة بألا تبدي، وأن تجتهد في الإخفاء لكل ما هو زينة، ووقع الاستثناء فيما يظهر بحكم ضرورة حركة فيما لابد منه، أو إصلاح شأن ونحو ذلك . ” فما ظهر ” على هذا الوجه مما تؤدي إليه الضرورة في النساء فهو المعفو عنه.
قال القرطبي:
قلت هذا قول حسن، إلا أنه لما كان الغالب من الوجه والكفين ظهورهما عادة وعبادة وذلك في الصلاة والحج، فيصلح أن يكون الاستثناء راجعًا إليهما . يدل على ذلك ما رواه أبو داود عن عائشة رضي الله عنها أن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما دخلت على رسول الله ﷺ وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها رسول الله ﷺ وقال لها: ” يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا..” وأشار إلى وجهه، وكفه، فهذا أقوى في جانب الاحتياط، ولمراعاة فساد الناس فلا تبدي المرأة من زينتها إلا ما ظهر من وجهها وكفيها.
وبهذا يظهر أن ” ما ظهر منها ” لا يدخل فيه الشعر بحال من الأحوال، بل من العلماء من أخرج الوجه نفسه مما ظهر منها.
الوجه الثاني: إن الله أمر المؤمنات في الآية بضرب خمرهن على جيوبهن والجيوب مواضع فتحات الثياب وهي الصدور . والخمر – كما قال المفسرون – جمع خمار، وهو ما تغطي به المرأة رأسها – ومنه اختمرت المرأة، وتخمرت، هي حسنة الخمرة (انظر مثلا القرطبي جـ 12، ص230) وقال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري: الخمار للمرأة كالعمامة للرجل . وهذا ما تنص عليه كتب اللغة أيضًا.
قال في القاموس، الخمار: النصيف . وفي مادة نصف . قال: النصيف، الخمار والعمامة وكل ما غطى الرأس . وقال في المصباح: الخمار ثوب تغطي به المرأة رأسها.
هذا وقد تطلق لفظة ” الخمار ” على كل غطاء كما في الحديث ” خمروا الآنية ” أي غطوها، ويبدو أن هذا المعنى هو الذي ضلل الذين جادلوا في شأن الشعر . مع أن هذا المعنى العام غير المعنى الخاص الذي جاءت به الآية . وإذا كان اللفظ يراد به أكثر من معنى، فإن القرائن وسياق الكلام هو الذي يحدد المعنى المراد منه.
وتفسير الخمار في الآية بغطاء الرأس لا جدال فيه، ومما يؤيد ذلك نزول الآية، وتعبد نساء المؤمنين بها مهاجرين وأنصارًا كما وردت بذلك أصح الروايات.
قال القرطبي:
وسبب هذه الآية أن النساء كن في ذلك الزمان إذا غطين رءوسهن بالأخمرة وهي المقانع سدلنها من وراء الظهر . فيبقى النحر والعنق والأذنان لا ستر على ذلك، فأمر الله بلي الخمار على الجيوب . وهيئة ذلك أن تضرب المرأة بخمارها على جيبها لتستر صدرها . وروى البخاري عن عائشة أنها قالت: رحم الله نساء المهاجرات الأول لما نزل (وليضربن بخمرهن على جيوبهن) شققن أزرهن فاختمرن بها.
ودخلت على عائشة حفصة بنت أخيها عبد الرحمن رضي الله عنهم وقد اختمرت بشيء يشف عن عنقها وما هناك، فشقته عليها وقالت: إنما يضرب بالكثيف الذي يستر .
ويقول فضيلةالدكتور محمد البهي رحمه الله تعالى –عميد كلية أصول الدين سابقا- :
كثرة شيوع الخطأ لا يبرِّر صحته، كما لا يبرِّر اتباعه. فشيوع شرب الخمر في مجتمع لا يدلُّ على أن شربها صواب ويجب اتباعه. بل على العكس، ذيوع شُربِها دليل على وجود مرض اجتماعيٍّ يجب أن يعالَج المجتمع منه. وشيوع “الخَنفسة” بين المراهقين في وقت ما لا يدلُّ إلا على شيوع رُوح “اللامبالاة” وعدم الاكتراث بينهم، أكثر منها دلالة على صحة اتجاههم وصواب مسلكهم.
وعلى هذا النحو: إيثار البنت المراهقة أو المرأة الشابّة للباس يكشف عن ساقَيْها وفخذيها ومواضع الفتنة فيها لا يدلُّ على صحة فَهمها للحياة وأخذها بأسباب التقدُّم فيها. وإنما يدلُّ على تمكُّن “غريزة التقليد” منها. فهي تقلِّد ولو كان فيما تقلِّده ما يحمل على السخرية منها وابتذالها.
والاحتشام في الملبس على العكس لا يعرِّض البنت المراهقة أو المرأة الشابّة للسخرية. بل يوفِّر لها الاحترام، بجانب ما تتمتع به من خَفَر وحياء. وإذا نهى القرآن الكريم عن التبرُّج في قوله: (ولا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِليّةِ الأولَى) (الأحزاب: 33). فإنّه يُؤثِر للمرأة البُعد عن جوِّ الابتذال. كما يؤثِر لها أن تصونَ كرامتَها كأنثى، لا تعرِض نفسَها على الرجل كما تُعرَض السلعة على المشتري، وإنما تدعوه هو يحرص على طلبها كشيء عزيز ينشده. والتبرُّج هو أن تعرِض المرأة من بدنها ما يغرِي الرجل بها.
وما يجب أن يفعله الإنسان لا يتوقّف على مجاراة الآخرين له في مباشرته. وإنما يتوقف فقط على الامتناع به. ولو أنَّ كل واحد انتظر في أدائه ما يجب على فعل الآخرين له ما وقع أداء واجب في المجتمع. وإذنْ لا عليكِ ـ أيّتُها المسلمة ـ في أن تحتشمي في ملبسكِ مهما تبرَّج غيرك من نظيراتك. بل إصرارك على الاحتشام سيكون عنوانًا على استقلال شخصيتك مما يلفت النظر إليك بالإعجاب، وليس بالسخرية.
أمّا معارضة والديك لاحتشامك في ملابسك فهم يخشىون أن يكسُد سوقكِ في الإقبال عليك في سِنٍّ الزواج.. من أن تتهافت عليك العشَرات ممّن لا يعرفون سوى أنانيتهم وأهوائهم. انتهى .
ويقول فضيلة الشيخ إبراهيم جلهوم من علماء الأزهر وشيخ المسجد الزينبي بالقاهرة
وحكمة التشريع في التزام هذا الزي الذي يستر جسد الفتاة أو المرأة كله عدا الوجه واليدين هي صيانة الفتاة والمرأة والحفاظ عليهما من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن فذاك هو ما أرشدت إليه تلك الآية المحكمة من كتاب الله “يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورًا رحيمًا” (الآية 59 من سورة الأحزاب).
وأيام أن كان الالتزام بالزي الشرعي ساريًا بين السيدات والفتيات. كان المجتمع لا يخترق تماسكه الخلقي الرفيع انحلال ولا اعتلال ولا اضطراب، فلما حدثت المخالفات حلت المضرات والمتعبات بكثير جدًا من الرجال والنساء شيبًا وشبابًا، سيدات وفتيات، وصدق قول الله: “وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير” (الآية 30 من سورة الشورى).
فلتلتزم الفتاة زيها الشرعي، حتى تكون محتشمة في ملبسها وقورة في مظهرها، متكاملة في اتباع أوامر الله قولاً وعملاً وسلوكًا وزيًا كما يشير إليه قول الحق سبحانه وتعالى: “وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله” (الآية 33 من سورة الأحزاب)، فطاعة الله ورسوله تكون بالاعتصام والتصون والاحتشام، وبترك التبرج وبستر البدن بملابس فضفاضة. ليست بذات ألوان فاقعة تلفت النظر إليها.
فليتق الله الوالدين، وليكونوا عونًا لبناتهم على طاعة الله، فإن رسول الله ﷺ يقول: “إن الله سائل كل راع عما استرعاه حفظ أم ضيع حتى يسأل الرجل عن أهل بيته” رواه ابن حبان في صحيحه.