يقول الله تعالى: (إِنَّه لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ . فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ . لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُون) (سورة الواقعة 77ـ79).
اتفقت الأئمة على حُرْمة مَسهم للمصحف أو حَمْلُه في حال الجنابة، ولم يخالف في ذلك واحد من الصحابة، لكن جوَّزه داود وابن حزم.
واستند الجمهور القائل بالحُرْمَة إلى هذه الآية، بناء على أن المراد بالكتاب هو المُصحف، وأن المَسَّ هو اللمس الحِسي المعروف. وقد نُوقش هذا الدليل بأن الكتاب المَكنون فسَّره بعضهم باللوح المحفوظ ولا يمسه إلا المطهرون مقصود بهم الملائكة، وفسَّره بعضهم بالكتب السابقة على معنى أن فيها ذِكْرًا للقرآن ومَن ينزل عليه، كما نُوقش بأن الكتاب لو أريد به المصحف فإن معنى (لاَ يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُون): لا يمسه إلا المطهرون من الشِّرْك؛ لأن المشركين نجس فالذين يجوز لهم مَسُّه هم المؤمنون سواء أكانوا على طهارة أم لا.
وقد صحح ابن القيم في كتابه “التبيان في أقسام القرآن” أن المراد بالكتاب هو الذي بيد الملائكة، وأُريد ذلك بقوله تعالى: (فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ . مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ . بِأَيدِي سَفَرَةٍ . كِرَامٍ بَرَرَةٍ) (سورة عبس : 13ـ 16).
ورجَّح ذلك بعَشرة وجوه يُمكن الاطلاع عليها في الجزء الثاني من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام (ص 213).
كما استدلَّ المُحَرِّمُون لحمل المُصحف أو مَسه بدون طهارة بحديث “لا يمس القرآن إلا طاهر” رواه النسائي والدارقُطني والأثرم. وهو حديث قوي قيل إنه أشبه بالمُتَواتر وقيل إنه حَسَن. وكذلك استدلوا بحديث “لا تمس القرآن إلا وأنت طاهر” ذكره الهيثمي في “مجمع الزوائد” برجال موثقين. كما استدلوا بمنع أخت عمر بن الخطاب من مَسه للصحيفة التي كانت تقرؤها؛ لأنه رِجْس، رواه الدارقطني.
ونوقشت أدلة المُحَرِّمِين وأدلة المُجِيزين.
هذا في حالة الجَنَابة، أما في الحَدَثِ الأصغر فجمهور العلماء على حُرْمَة مس المصحف وحمله، وهو مروي عن كثير من الصحابة والتابعين، وذهب إليه من أئمة الفقه مالك والشافعي وأبو حنيفة في إحدى الروايتين عنه. وأجاز بعض العلماء ذلك ونُقِل عن جماعة من السَّلف، وذهب إليه أبو حنيفة في رواية عنه، كما جوَّزه داود بن علي.
واستثنى بعض من حرَّم مس المصحف وحَمْله من الحديث الأصغر ـ الصبيان الذين لم يبلغوا الحُلُم لحاجتهم على حِفْظِ القرآن، ويُقاس عليهم الكبار المُحْتاجون لحِفْظِ القُرآن فرَخَّصَ لهم مَسه وَحَمْله مع الحدث الأصغر من أجل تيسير الحفظ وليس من أجل التعبُّد بالتلاوة ، فتُشْترط للمسه وحمْله الطهارة “”.