المحدث حدثاً أصغر تجوز له قراءة القرآن بإجماع العلماء، سواء كانت القراءة غيباً، أو من المصحف إذا لم يمسه، أو من كتب التفسير أو غيرها لحديث عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يذكر الله على كل أحيانه. (رواه ابن ماجه وصححه الألباني).

والقرآن أفضل الذكر، وحال الحدث من جملة الأحيان المذكورة، وروى الترمذي وغيره عن علي رضي الله عنه قال : كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرئنا القرآن على كل حال ما لم يكن جنباً. (قال الترمذي : حديث علي هذا حديث حسن صحيح وبه قال غير واحد من أهل العلم).

قال الإمام النووي في المجموع : أجمع المسلمون على جواز قراءة القرآن للمحدث والأفضل أن يتطهر لها، قال إمام الحرمين والغزالي في البسيط: ولا نقول قراءة المحدث مكروهة، فقد صح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ مع الحدث.

والمذاهب الأربعة تحرم مس المصحف  لغير المتوضيء، والراجح جواز مسه لغير المتوضئ ، بل وللجنب والحائض والنفساء.

جاء في كتاب فقه الطهارة للشيخ القرصاوي :

ومما أوجبوا الوضوء له: مس المصحف. وقد روي هذا عن ابن عمر، والحسن، وعطاء، وطاوس، وهو قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد، وجمهور الفقهاء.

وقال داود وأهل الظاهر : يباح مسه. لأن النبي صلى الله عليه وسلم كتب في كتابه إلى قيصر آية من القرآن في رسالة إليه، وهو يعلم أنه سيمس هذه الرسالة.

ولكن هذا الدليل ليس بناهض، لأن الآية لا تسمى مصحفا.

واستدل الجمهور بقوله تعالى : (لا يمسه إلا المطهرون)، وبحديث عمرو بن حزم : “لا يمس القرآن إلا طاهر”.

أما الآية، ففي الاستدلال بها ضعف، لأن الضمير في قوله (لا يمسه) يحتمل أن يعود على القرآن الكريم، أو على الكتاب المكنون، في قوله تعالى : (إنه لقرآن كريم. في كتاب مكنون. لا يمسه إلا المطهرون) [الواقعة: 77-79]
والأرجح عودته إلى الكتاب المكنون ـ وهو اللوح المحفوظ ـ لأنه أقرب مذكور. وهنا يكون معنى (المطهرون): هم الملائكة الذين طهرهم الله تعالى وقدسهم وعصمهم من المعاصي : (لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) [التحريم: 6].

ومعنى النص: أنه القرآن قد صانه الله في كتاب مكنون ومحفوظ عنده، لا يمسه ولا يصل إليه إلا الملائكة المطهرون المقربون، فلا يصل إليه الشياطين (وما ينبغي لهم وما يستطيعون. إنهم عن السمع لمعزولون) الشعراء: 211،212.

ومما يرجح هذا: أنه قال (المطهرون)، ولم يقل : (المتطهرون) كما هو شأن المؤمنين من البشر، الذين قال الله فيهم (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) [البقرة : 222].

وإذن لا دلالة في الآية على منع مس المصحف.

بقي الحديث، وهو الذي رواه عمرو بن حزم عن النبي صلى الله عليه وسلم في الكتاب الذي كتبه له، لما وجهه إلى اليمن، قال النووي: وإسناده ضعيف. رواه مالك في (الموطأ) مرسلا، ورواه البيهقي أيضا من رواية ابن عمر. والله أعلم.

وقال الحافظ ابن حجر في (بلوغ المرام): الحديث معلول.

وقال الصنعاني في (سبل السلام): كتاب عمرو بن حزم تلقاه الناس بالقبول. وقال يقعوب بن سفيان: لا أعلم كتابا أصح من هذا الكتاب، فإن الصحابة والتابعين يرجعون إليه، ويدعون رأيهم.

وقال الحاكم : قد شهد عمر بن عبد العزيز، وإمام عصره الزهري بالصحة لهذا الكتاب.

قال : وفي الباب في (مجمع الزوائد) من حديث عبد الله بن عمر : “لا يمس القرآن إلا طاهر. (قال الهيثمي : رجاله موثقون).

قال : لكن يبقى النظر في المراد من (الطاهر) فإن لفظه مشترك: يطلق على الطاهر من الحدث الأكبر، والطاهر من الحدث الأصغر، ويطلق على المؤمن، وعلى من ليس على بدنه نجاسة، ولا بد لحمله على معين من قرينة. وأما قوله تعالى: (لا يمسه إلا المطهرون) [الواقعة: 79]
فالأوضح : أن الضمير للكتاب المكنون، الذي سبق ذكره في صدر الآية، وأن (المطهرون) هم الملائكة.

وهناك قرينة تعين أحد معاني المشرك هنا، وهي: أن الطاهر هو المؤمن، بدليل الحديث الصحيح “إن المؤمن لا ينجس”. وقوله تعالى : (إنما المشركون نجس) التوبة: 28 ويكون معنى الحديث : ألاّ يمكن المشرك من مس القرآن. لأنه لا يمسه معظما له، ولا معترفا به، بل ممتهنا له، وبهذا يتفق مع النهي عن المسافرة بالقرآن إلى أرض العدو، خشية أن تناله أيديهم. أي تناله بالإساءة والعدوان.