لا مانع من تعجيل الزكاة قبل وقتها ، بشرط أن لا تتأخر عن أول موعدها ، فإذا كان موعد إخراجها في بداية كل سنة من كل عام فيجوز تعجيلها قبل هذا الموعد بشرط أن تكون قد خرجت قبل تجاوز بداية كل سنة من كل عام، ومن هنا يعلم أنه لا يجوز حبسها بعد  حلول موعد وجوبها بقصد قصرها على فقير بعينه، بل توزع على الحاضر من الفقهاء، وجوز بعض الفقهاء تأخيرها إذا كان التأخير بقصد انتظار فقير أحوج من الموجودين.

حكم تقديم أداء الزكاة قبل موعدها

جاء في كتاب فقه الزكاة للشيخ القرضاوي ، تحت عنوان (تقديم أداء الزكاة قبل موعدها):

الأموال الزكوية قسمان:

1 – قسم يُشترط له الحول كالماشية السائمة والنقود وسلع التجارة.

2 -وقسم لا يُشترط له الحول كالزروع والثمار.

-فأما القسم الأول الذي يُشترط له الحول كالماشية السائمة والنقود وسلع التجارة فأكثر الفقهاء على أنه: متى وجد سبب وجوب الزكاة -وهو النصاب الكامل- جاز تقديم الزكاة قبل حلول الحول، بل يجوز تعجيلها لحولين أو أكثر. بخلاف ما إذا عجَّلها قبل مِلك النصاب فلا يجوز.

وبهذا قال الحسن وسعيد بن جبير والزهري والأوزاعي وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو عبيد (المغني: 2/630).

وقال ربيعة ومالك وداود: لا يجوز تقديم الزكاة قبل حلول الحول، سواء قدَّمها قبل ملك النصاب أو بعده (المغني: المرجع نفسه، وقال ابن رشد في بداية المجتهد: 1/266.

 وسبب الخلاف: هل هي عبادة أو حق واجب للمساكين، فمن قال: عبادة، وشبهها بالصلاة لم يجز إخراجها قبل الوقت، ومن شبهها بالحقوق الواجبة المؤجلة، أجاز إخراجها قبل الأجل على جهة التطوع، وقد احتج الشافعي بحديث علي: أن النبي -- “استسلف صدقة العابس قبل محلها”).

وجوز بعض المالكية تقديمها بزمن يسير، في زكاة النقود، ومنها عروض التاجر المدير، وديونه المرجوة الحاصلة من البيع لا من القرض، وكذلك الماشية التي لا ساعي لها، فتجزيء الزكاة حينئذ مع كراهة التقديم، بخلاف زكاة الزرع والثمر، وعروض التاجر المحتكر، ودين المدير من قرض فلا تجزيء، وكذلك التي لها ساع إذا قدم إخراجها قبل الحول بغير الساعي، وأما إذا دفعت للساعي قبل الحول بزمن يسير فإنها تجزيء.

-واختلفوا في تحديد الزمن اليسير الذي يُغتفر فيه التقديم من يوم ويومين إلى شهر وشهرين، والمعتمد هو الشهر، فلا يجزيء التقديم بأكثر منه.

ويجوز التقديم بلا كراهة، إذا كانت الزكاة ستنقل من موضع الوجوب إلى فقير أشد حاجة، لتصل إلى مستحقها عند الحول، بل هذا التقديم واجب كما صرح بعض المالكية حتى لو تلفت الزكاة أو ضاعت بعد هذا التقديم، فإنها تجزيه ولا يضمنها؛ لأنها زكاة وقعت موقعها، حيث صار هذا الوقت في حكم وقت وجوبها، وليس عليه أن يخرج عن الباقي، بخلاف التقديم في الصور السابقة، فإنه يخرج عن الباقي إن بلغ نصابًا (انظر الشرح الكبير، وحاشية الدسوقي عليه: 1/502).

حُجَّة المانعين:

وحجة المانعين: أن الحول أحد شرطي الزكاة – كالنصاب – فلم يجز تقديمها عليه؛ كما لم يجز تقديمها قبل ملك النصاب اتفاقًا، ولأن الشرع وقت للزكاة وقتًا وهو الحول فلم يجز تقديمها عليه كالصلاة (المغني، المرجع السابق).

حجة المجوِّزين:

واستدل المجوزون لتعجيل الزكاة بما روي أبو داود وغيره عن عليّ: أن العباس سأل رسول الله -- في تعجيل صدقته قبل أن تحل فرخص له في ذلك (رواه الخمسة إلا النسائي كما رواه الحاكم والدارقطني والبيهقي ورجح الدارقطني وأبو داود إرساله، وتعضده أحاديث أخرى. انظر نيل الأوطار: 4/159، 160، والمجموع: 6/145-146).

وفي سند الحديث كلام، ولكن يشهد له ما أخرجه البيهقي عن عليّ: أن النبي -- بعث عمر على الصدقة فقيل: منع ابن جميل، وخالد بن الوليد، والعباس عم النبي --، فدافع النبي -- عن خالد والعباس، وكان مما قاله: (إنَّا كنا احتجنا، فاستسلفنا العباس صدقة عامين) (السنن الكبرى: 4/111، وأخرج أبو داود الطيالسي من حديث أبي رافع: أن النبي -- قال لعمر: “إنَّا كنا تعجلنا صدقة مال العباس عام الأول. (نيل الأوطار المرجع السابق)، وقد جاءت هذه القصة في الصحيح من حديث أبي هريرة، وفيها: (وأما العباس فهي علي ومثلها معها، ثم قال: يا عمر، أما علمت أن عم الرجل صنو أبيه)؟ (المرجع نفسه، والقصة في صحيح مسلم).

قال أبو عبيد في رواية: (فهي علي ومثلها معها) يقال: كان تسلف منه صدقة عامين: ذلك العام، والذي قبله (قال الشوكاني: ومما يرجح أن المراد ذلك: أن النبي -- لو أراد أن يتحمل ما عليه لأجل امتناعه لكفاه أن يتحمل مثلها من غير زيادة، وأيضًا الحمل على الامتناع فيه سوء ظن بالعباس: (نيل الأوطار المرجع السابق).

واستدلوا من جهة النظر والقياس بأن هذا تعجيل لمال وُجِد سبب وجوبه قبل وجوبه، وذلك جائز، كتعجيل قضاء الدين قبل حلول أجله، وكأداء كفارة اليمين بعد الحلف وقبل الحنث، وكفارة القتل بعد الجرح قبل زهوق الروح، وهو مسلم وجائز عند مالك (المغني: 2/630).

-وأما قولهم: إن الحول أحد شرطي الزكاة، فلم يجز تقديمها عليه كالنصاب فغير مسلم؛ لأن تقديمها قبل ملك النصاب، تقديم لها على سببها فأشبه تقديم كفارة اليمين على الحلف وكفارة القتل على الجرح، ولأنه هنا يكون قد قدمها على الشرطين، وفي الصورة الأولى قدمها على أحدهما وهو الحول فافترقا (المرجع السابق).

وأما قولهم: إن للزكاة وقتًا، فنقول ما قاله الإمام الخطابي: إن الوقت إذا دخل في الشيء رفقًا بالإنسان، فإن له أن يسوغ من حقه ويترك الارتفاق به، كمن عجل حقًا مؤجلاً لآدمي وكمن أدى زكاة غائب عنه، وإن كان على غير يقين من وجوبها عليه؛ لأن من الجائز أن يكون ذلك المال تالفًا في ذلك الوقت (معالم السنن: 2/224).

وأما الصلاة والصيام فتعبد محض، والتوقيت فيهما غير معقول المعنى، وإنما هو التكليف والابتلاء، فيجب أن يقتصر عليه.

وإن عجل زكاة نصاب في ملكه وما ينتج عنه أو يربحه فيه، أجزأه عن النصاب دون الزيادة عند الشافعي وأحمد؛ لأنه عجل زكاة مال ليس في ملكه فلا يجوز.

وعند أبي حنيفة: يجزئه؛ لأنه تابع لما هو مالكه، فيأخذ حكمه (المغني: 2/631).

القسم الثاني من الأموال التي تجب فيها الزكاة ما لا يُشترط له الحول كالزروع والثمر والمعدن والركاز، وهذا لا يجوز فيه تعجيل الزكاة، وأجاز بعض الشافعية تعجيل العُشر، والأرجح أنه لا يجوز، لأن العٌشر يجب بسبب واحد وهو إدراك الثمرة وانعقاد الحب، فإذا عجله قدمه على سببه، فلم يجز كما لو قدم زكاة المال على النصاب (انظر المجموع: 6/160).

واشترط بعض الحنابلة في تعجيل العُشر أن يكون ذلك بعد نبات الزرع وطلوع الطلع في النخل ونحو ذلك.

هل يجوز تعجيل الزكاة لأكثر من حول

إذا كان التعجيل جائزًا فهل له حد من السنين؟ أم هو جائز إلى غير حد؟

أجاز الحنفية وغيرهم للمالك أن يعجل زكاته لما أراد من السنين بدون قيد. حتى قالوا: لو كان له ثلاثمائة درهم، فدفع منها مائة درهم عن المائتين زكاة لعشرين سنة مستقبلة جاز؛ لوجود السبب وهو ملك النصاب النامي.

بخلاف العُشر فلا يجوز تعجيله قبل نبات الزرع وخروج الثمرة، وبالأولى قبل الزراعة أو الغرس، لعدم وجود سبب الوجوب، كما لو عجل زكاة المال قبل مِلك النصاب (حاشية ابن عابدين: 2/29-30، وانظر البحر الزخار: 2/188).

وإذا أجزنا تعجيل الزكاة لحاجة أو مصلحة فإن تأخيرها عن وقت إخراجها الواجب لا يجوز إلا لحاجة داعية، أو مصلحة معتبرة تقتضي ذلك. مثل أن يؤخرها ليدفعها إلى فقير غائب هو أشد حاجة من غيره من الفقراء الحاضرين، ومثل ذلك تأخيرها إلى قريب ذي حاجة؛ لما له من الحق المؤكد، وما فيها من الجر المضاعف.

وله أن يؤخرها لعذر مالي حلَ به، فأحوجه إلى مال الزكاة، فلا بأس أن ينفقه ويبقى دينًا في عنقه، وعليه الأداء في أول فرصة تسنح له.

قال شمس الدين الرملي: وله تأخيرها لانتظار أحوج أو أصلح أو قريب أو جار؛ لأنه تأخير لغرض ظاهر وهو حيازة الفضيلة، وكذلك ليتروى حيث تردد في استحقاق الحاضرين، ويضمن إن تلف المال في مدة التأخير. لحصول الإمكان، وإنما أخر لغرض نفسه، فيتقيد جوازه بشرط سلامة العاقبة، ولو تضرر الحاضر بالجزع حرم التأخير مطلقًا؛ إذ دفع ضرره فرض، فلا يجوز تركه لحيازة فضيلة (نهاية المحتاج: 2/134).

واشترط ابن قدامة في جواز التأخير لحاجة أن يكون شيئًا يسيرًا، فأما إن كان كثيرًا فلا يجوز، ونقل عن أحمد قوله: لا يجرى على أقاربه من الزكاة في كل شهر. يعني لا يؤخر إخراجها حتى يدفعها إليهم متفرقة في كل شهر شيئًا، فأما إن عجلها فدفعها إليهم، أو إلى غيرهم، متفرقة أو مجموعة جاز؛ لأنه لم يؤخرها عن وقتها، وكذلك إن كان عنده مالان أو أموال زكاتها واحدة، وتختلف أحوالها، مثل أن يكون عنده نصاب، وقد استفاد في أثناء الحول من جنسه دون النصاب، لم يجز تأخير الزكاة ليجمعها كلها؛ لأنه يمكنه جمعها، بتعجيلها في أول واجب منها (المغني: 2/685).

وكذلك صرح بعض المالكية: أن تفريق الزكاة واجب على الفور، وأما بقاؤها عند رب المال، وكلما جاءه مستحق أعطاه منها، على مدار العام، فلا يجوز (حاشية الدسوقي: 1/500).