الخطبة في الغالب وسيلة للنكاح , إذ لا يخلو عنها في معظم الصور , وليست شرطا لصحة النكاح فلو تم بدونها كان صحيحا , وحكمها الإباحة عند الجمهور . والمعتمد عند الشافعية أن الخطبة مستحبة لفعله صلى الله عليه وسلم حيث { خطب عائشة بنت أبي بكر , وخطب حفصة بنت عمر رضي الله عنهم } .

أما تحديد فترة الخطبة فهذا يرجع فيه إلى رضا طرفي العقد، وهما: الزوج والولي أو المرأة الرشيدة، التي تعرف مصلحتها، فإذا رضيت هي أو رضي الولي بما لا ضرر فيه على المخطوبة من طول فترة الخطوبة، فلا مانع منه.

وعلى هذا فليس هناك فترة محددة بين العقد والبناء أو بين العقد والخطبة.

ولكن في جميع الأحوال يجب أن تعلم أن المرأة أثناء فترة الخطبة أجنبية عن الخاطب وتعامله معها مثل تعامله مع غيرها من النساء من غير محارمه ، ففترة الخطبة ليست محطة لتفريغ الشهوات والعواطف سواء أكان هذا عن طريق الكلام، أو الفعل، أو غير ذلك، ولا يجوز تبادل الكلمات التي تثير العواطف ، وتحرك الشهوات، ويحل للخاطب أن يجلس مع مخطوبته في وجود محرم، ويتكلم معها في حدود ما يسمح به العرف المنضبط بالشرع، حيث إنها ما زالت أجنبية عنه حتى يعقد عليها.

فللخاطب أن يرى من مخطوبته وجهها ويديها حتى يتبين ملامحها ، ليكون أدعى إلى القبول بينهما ، وأنفى للجهالة ، ولا مانع من النظر بشهوة أثناء تعرفه عليها ، كما قال النووي ، وله أن يعيد النظر ويكرره ، حتى يكون على بينة من أمره .

فإذا رضي بها وأعجبته فلا يجوز له أن ينظر إليها بشهوة ، لأنها أجنبية ، وإنما يجوز أن ينظر إليها كما ينظر إلى بقية نساء المسلمين بلا ريبة ولا شهوة ولا تلذذ .

والخاطب أجنبي عن مخطوبته لا يحل له منها إلا أن يرى وجهها وكفيها ، ولا يجوز له أن يلمسها ، ولا أن يتحسس جسمها ، ولا أن ينظر إليها بشهوة ، ولا أن يقبلها ، ولا أن يقترب منها بحيث يكون ملاصقا لها ، ومماسا لجسدها ، فكل ما له هو أن يجلس معها في وجود المحرم ، وتجلس هي ولا تظهر سوى الوجه والكفين ، ويتبادلا الحديث الذي ليس فيه تمايع ، ولا تكسير ، ولا شهوة ، والمقصود من الحديث أن يتعرف كل واحد إلى شخصية الآخر .

والحديث بين المخطوبين حديث جاد، أو كما سماه الله تعالى (وقلن قولا معروفا) فليس هو حديث الحبيبين، أو العاشقين، وليس فيه كلمات الغزل، ولا كلمات الحب والعشق فضلا عن ألفاظ الزنا والخنا.

فالخطبة لا تحل حراما، ولا تقرب بعيدا، ولا تهدم السدود، ولا تزيل الحدود، وقد يحسب كثير من الناس أن الخطبة متنفس للشباب والفتيات تسمح لهم بإخراج ما تفيض به المشاعر، وبث ما تحمله القلوب، وتنطوي عليه الضلوع، بل يحسبها البعض متنفسا لإفراغ الشهوة المكبوتة … فتحملق العيون، وتتسع الحدقات، وتنطلق الألسنة هادرة سابحة، وقد يقف البعض بالخطبة عند هذه المحطة.
وقد يستمر آخرون فيستحلون كل حرام باسم الخطبة، ويحصلون على كل ما يريدون باسم الحب .

والحق أن هذا كله ليس من الإسلام في شيء، فالخطبة للتروي والاختبار، والاستشارة والاستخارة، وللمدارسة والمكاشفة حتى يمضي هذا العقد الغليظ ، أو يرى صاحباه أنهما أخطآ الطريق فيفترقا.
أما إشباع الحواس المتعطشة بدءا من العيون، ومرورا بالآذان، وختاما بالجوارح فلا يكون إلا بعد الزواج.
بل إن على المخطوبين إذا أحسا بأن حواسهما تنازعهما نحو الحرام، وأن الوئام أصبح حبا لا يقاوم ، وأن هذه العاطفة القلبية أصبحت تتمشى في جوانب النفس، وتترسم على الجوارح……. عليهما حينئذ أن يعجلا بالعقد…. أو يكفا عن هذه الجلسة.