يقول فضيلة الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقا:ـ
يقول الله تعالى: (مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا) (سورة النساء:85 ).
ورَوى البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعرى ـ رضي الله عنه ـ قال: كان النبي ـ ﷺ ـ إذا أتاه طالبُ حاجه أقبل على جُلَسائه فقال: ” اشْفعوا تُؤْجَروا، ويَقضي الله على لسان نَبِيَّه ما أحبَّ”، وفي رواية أبي داود “اشفعوا تُؤْجَروا، ولْيقضِ الله على لسان نبيِّه ما شاء”، ورَوى البخاري عن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ في قصة بَرِيرَة وزوجها قال: قال لها النبي ـ ﷺ ـ: “لو راجَعْتِيه”، قالت: يا رسول الله: تأمرني؟ قال: “إنَّما أشفع”، قالت: لا حاجة لي فيه.
وروى البخاري عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: لمَّا قَدِمَ عُيَيْنَة بن حصن بن حذيفة بن بدر نزل على ابن أخيه الحر بن قيس، وكان من النفر الذين يُدْنيهم عمر ـ رضي الله عنه ـ فقال عُيينة: يا ابن أخي، لك وجْه عند هذا الأمير فاسْتأذِن لي عليه، فاستأذَن، فأَذِن له عمر، فلما دخل قال: هي يا ابن الخطاب، فَوَ الله ما تُعطينا الجَزْل ولا تحكم بيننا بالعدل، فغَضِب عمر حتَّى هَمَّ أن يُوقِع به، فقال الحر: يا أمير المؤمنين إن الله ـ عز وجل ـ قال لنبيه ـ ﷺ ـ (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ) (سورة الأعراف:199 )، وإنَّ هذا من الجاهلين فوَ الله ما جوَّزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقَّافًا عند كتاب الله تعالى.
هذه نصوص وحوادث تَحث على الشفاعة إلى ولاة الأمور وغيرهم من أصحاب الحقوق والمستوفين لها، ما لم تكن الشفاعة في إسقاط حدٍّ أو تخفيفه أو في أمر لا يجوز تركه، كالشفاعة إلى وصيٍّ أو ناظر على طفل أو مجنون أو وقف أو نحو ذلك في ترك بعض الحقوق التي في ولايته، فكلُّها شفاعة محرَّمة، تَحْرُم على الشافع ويَحْرُمُ على المشفوع إليه قَبُولُها، ويَحْرُم على غيرهما السَّعي فيها إذا عَلِمَها.
والحديث صحيح في رفض النبي ـ ﷺ ـ شفاعة أسامة بن زيد في عدم إقامة حدِّ السرقة على المرأة الشريفة، وفي قَسَمِه أن فاطمة بنته لو سرقت لقطع يدها.
والكِفْل الوارد في الآية معناه الحظُّ والنَّصيب، ومعنى “مُقِيت” المقتدر والمقدِّر كما قاله ابن عباس وآخرون من المفسرين، وقال آخرون منهم المُقيت هو الحَفيظ، وقيل: هو الذي عليه قُوت كل دابة ورزقها، وقيل غير ذلك ” الأذكار للنووي ص 323″.
والله أعلم