الهبة تصرف ممن يملك حال حياته ، وهى كالعقد يشترط فيها الإيجاب والقبول ، ولها شروط معينة حتى تكون صحيحة منها ما يتصل بالواهب فلابد أن يكون عاقلا مميزا ، ومنها ما يتصل بالموهوب له كأن يكون مملوكا للواهب ، موجودا ، متقوما ، ليس مشاعا ، متميزا عن غيره ، وأن يقبضه الموهوب له .

وبالنسبة للهبة في مرض الموت فهى كالوصية تتوقف على إجازة الورثة ، إذا كانت الهبة لوارث ، وأما إذا كانت لأجنبي فإنها تنفذ دون توقف على إذن الورثة في نطاق ثلث التركة فقط ، وما زاد على الثلث فلا ينفذ إلا بإذن الورثة.

وعليه تجوز الهبة بجزء من المال أو بالمال كله ، ولا إثم في قبول ذلك ما دامت قد اكتملت شروط الهبة وأركانها ، أما إن كانت الهبة في مرض الموت ، فحكمها حكم الوصية .

والأصل أن يترك الرجل لورثته شيئا من ماله يغنيهم به ، يدُل على هذا حديث سعد بن أبي وقاص الذي رواه البخاري ومسلم حيث ذكر للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو يعوده في مرضه أنه ذو مال كثير ولا يرثه إلا ابنة واحدة وهو يريد أن يتصدَّق بماله كله فقال “لا” قال: فالشِّطْر أي النِّصف؟ قال ” لا ” قال فالثلث؟ قال: “الثلث والثلث كثير إنك إن تَذَرْ وَرَثَتَكَ أغنياء خَير من أن تذرهم عَالَةً يتكففون الناس..”.

تعريف الهبة :
والهبة في الاصطلاح الشرعي: عقد يفيد التمليك بلا عوض حال الحياة تطوعًا.
والهبة مشروعة مندوب إليها:

-لقوله تعالى: “فإن طبن لكم عن شيء منه نفسًا فكلوه هنيئًا مريئًا”.

-وقوله سبحانه: “وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل..”.

-ولقول النبي – صلى الله عليه وسلم-: ” تهادوا تحابوا “.

-وقوله – صلى الله عليه وسلم-: ” لا تحقرن جارة أن تهدي لجارتها ولو فرسن شاة.

-وقوله – صلى الله عليه وسلم-: ” العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه”.

-وانعقد الإجماع على استحباب الهبة بجميع أنواعها لقول الله تعالى: “وتعاونوا على البر والتقوى”.

أركان الهبة:
ركن الهبة عند الحنفية: هو الإيجاب والقبول قياسًا، لأنه عقد كالبيع، وكذا القبض ركن، لأنه لا بد منه لثبوت الملك، بخلاف البيع، وعند بعض الحنفية أن القبول ليس ركنًا وإنما الركن هو الإيجاب من الواهب، لأن الهبة في اللغة عبارة عن مجرد إيجاب المالك من غير شرط القبول، وإنما القبول لثبوت حكمها أي الأثر المترتب عليها وهو نقل الملكية، وأركان الهبة عند الجمهور أربعة هي الواهب، والموهوب له، والموهوب والصيغة.

ما هي شروط الهبة:

تنقسم شروط الهبة إلى ثلاثة أقسام: أولاً: شروط في الواهب:
يشترط في الواهب أن يكون له أهلية التبرع بالعقل والبلوغ مع الرشد، لأن الهبة تبرع فلا تجوز هبة الصبي والمجنون، لأنهما لا يملكان التبرع، لكونه ضررًا محضًا، وكذا الأب لا يملك هبة مال الصغير من غير شرط العوض بلا خلاف، لأن ولايته قاصرة على وجوه النفع، والهبة تبرع فيه ضرر محض فلا تجوز منه.

ثانيًا: شروط الموهوب:
1 -أن يكون موجودًا وقت الهبة:
فلا تنعقد هبة ما ليس بموجود وقت العقد، مثل أن يهب ما يثمر نخله في هذا العام أو ما تلد أغنامه هذه السنة لأنه تمليك لمعدوم فيكون العقد باطلاً.
وهذا الشرط اتفق عليه الحنفية والشافعية والحنابلة فقالوا: “كل ما صح بيعه صحت هبته”.
وقال المالكية: تجوز هبة ما لا يصح بيعه كالعبد الآبق والبعير الشارد والمجهول والثمرة قبل بدو صلاحها والمغصوب.

2 –أن يكون مالاً متقومًا: فلا تنعقد هبة ما ليس بمال أصلاً كالخمر والميتة والدم وصيد الحرم والإحرام وغير ذلك ولا تجوز هبة ما ليس بمتقوم كالخمر.
3 – أن يكون مملوكًا في نفسه فلا تنعقد هبة المباحات.
4- أن يكون مملوكًا للواهب: فلا تنفذ هبة مال الغير بغير إذنه لاستحالة تمليك ما ليس بمملوك.
5 – أن يكون محرزًا  أي مفرزًا فلا تصح عند الحنفية هبة المشاع إذا كان يحتمل القسمة، وتجوز إذا كان مشاعًا لا يحتمل القسمة كالسيارة والبيت الصغير والحمام.
وعند المالكية والشافعية والحنابلة هبة المشاع جائزة وصفة القبض أن يسلم الواهب جميع الشيء إلى الموهوب له، فيستوفي منه حقه، ويكون نصيب شريكه في يده كالوديعة.

6 – أن يكون الموهوب متميزًا عن غيره، ليس متصلاً به، ولا مشغولاً بغير الموهوب: لأن معنى القبض، وهو التمكن من التصرف في المقبوض لا يتحقق مع شغل الموهوب بغيره.

7 – قبض الموهوب:
اختلف الفقهاء حول هذه المسألة، فقال الحنفية والشافعية القبض شرط لزوم الهبة، حتى إنه لا يثبت الملك للموهوب له قبل القبض، بدليل ما رواه الإمام مالك بسنده عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: إن أبا بكر الصديق كان نحلها جاد عشرين وسقا من ماله بالغابة، فلما حضرته الوفاة قال: والله يا بنية ما من الناس أحد أحب إلى غني بعدي منك، ولا أعز فقرًا بعدي منك، وإني كنت نحلتك حاد عشرين وسقا، فلو كنت جددتيه واحترزتيه كان لك، وإنما هو اليوم مال وراث، وإنما هما أخواك وأختاك، فاقتسموه على كتاب الله، قالت عائشة فقلت يا أبت، والله لو كان كذا وكذا لتركته، إنما هي أسماء فمن الأخرى؟ فقال أبو بكر ذو بطن بنت خارجة أراها جارية؟
وروى مالك بسنده عن عبد الرحمن بن عبد القاري أن عمر بن الخطاب قال: ما بال رجال ينحلون أبناءهم نحلاً ثم يمسكونها فإن مات ابن أحدهم قال: مالي بيدي لم أعطه أحدًا وإن مات هو قال: هو لابني قد كنت أعطيته إياه، من نحل نحلة فلم يجزها الذي نحلها حتى يكون إن مات لورثته، فهي باطل.
وبهذا قال عثمان وعلي وغيرهم من الصحابة.
وقال الحنابلة في أرجح الروائيين عن أحمد: القبض شرط لصحة الهبة في المكيل أو الموزون لإجماع الصحابة على ذلك، ويظهر أن المراد يكون القبض شرط صحة أنه شروط لزوم بدليل قول ابن قدامة: “إن المكيل والموزون لا تلزم فيه الصدقة والهبة إلا بالقبض”.
أما غير المكيل أو الموزون فتلزم الهبة فيه بمجرد العقد، ويثبت الملك في الموهوب قبل قبضه، لما روي عن علي وابن مسعود رضي الله عنهما قالا: الهبة جائزة إذا كانت معلومة، قبضت أو لم تقبض.
وقال المالكية: لا يشترط القبض لصحة الهبة، ولا للزوم الهبة وإنما هو شرط لتمامها، أي لكمال فائدتها، بمعنى أن الموهوب يملك بمجرد العقد أي القول، على المشهور عندهم، والقبض أو الحيازة لتتم الهبة، ويجبر الواهب على تمكين الموهوب له من الموهوب، ودليلهم تشبيه الهبة بالبيع وغيره من سائر التمليكات، ولقول الأصحاب: الهبة جائزة إذا كانت معلومة قبضت أو لم تقبض.

8 – إذن الواهب:
يشترط لصحة القبض عند جمهور العلماء أن يكون بإذن الواهب، فلو قبض بلا إذن لم يملكه، ودخل في ضمانه، لأن التسليم غير مستحق على الواهب، فلا يصح إلا بإذنه، ولأن الإذن بالقبض شرط لصحة القبض في البيع، ففي الهبة من باب أولى.
وقال المالكية: يصح القبض ولو بلا إذن من الواهب ويجبر الواهب على تمكين الموهوب من القبض حيث طلبه؛ لأن الهبة تملك بالقول أي بالإيجاب على المشهور عندهم.

الهبة في مرض الموت:

جاء في مجلة الأحكام : إذا وهب أحد في مرض موته شيئا لأحد ورثته وبعد وفاته لم تجز الورثة الباقون لا تصح تلك الهبة .
أما لو وهب وسلم لغير الورثة فإن كان ثلث ماله مساعدا لتمام الموهوب تصح وإن لم يكن مساعدا ولم تجز الورثة الهبة تصح في المقدار المساعد ويكون الموهوب له مجبورا برد الباقي .
لو وهب أحد في مرض موته شيئا لأحد ورثته المتعددين أي لمن سيكون وارثا له وقت موته وسلمه إياه كانت هبته موقوفة على إجازة باقي الورثة بعد وفاته من هذا المرض بناء عليه إذا أجاز الورثة المذكورون هذه الهبة بعد وفاة المورث كانت الهبة نافذة.

وإذا تعددت الورثة فأجازها بعضهم وفسخها البعض الآخر فتنفذ في حصة المجيزين وتنفسخ عن حصة الفاسخين .

لكن يلزم لصحة هذه الإجازة أن يكون معطي الإجازة عاقلا بالغا وصحيحا أي غير مريض حتى لو أجاز أحد الورثة هذه الهبة وكان صغيرا مميزا ومجنونا فلا تعتبر إجازتهم.

ثالثا:شروط إجازة الورثة :
يشترط أن تكون هذه الإجازة بعد وفاة الواهب إذ لا حكم للإجازة قبل موت الواهب ; لأن حقوق الورثة تثبت بعد وفاة المورث الواهب ولا حق للورثة قبل الوفاة حتى يمكن إسقاط ذلك الحق بالإجازة .. فعليه إذا وهب مريض ماله لوارثه وسلمه إياه وبعد ذلك لو ادعى المريض أن هذه الهبة غير نافذة لوجود ورثة آخرين فلا تقبل دعواه هذه .