لا يجوز البناء على القبور ما دامت واضحة المعالم، ومتحقق أنها قبور، ولكن إذا اندثرت فقد أجاز العلماء الانتفاع بأرض الجبانات المندثرة إذا بليت العظام التي بها ولم يبق لها أثر - سواء كانت تلك الأرض موقوفة أو مرصودة للمنفعة العامة، بشرط عدم نبش القبور أخذا بمذهب الإمام محمد ، خلافا لأبي يوسف، والأخذ برأي الإمام محمد أوفق وأرفق بالناس؛ لما فيه من تحقيق المصلحة لهم .
قال فضيلة الشيخ أحمد هريدى مفتي مصر سابقا :
المنصوص عليه شرعا أن الجبانة المندثرة إذا بطل الدفن فيها بالاستغناء عنها بأرض أخرى أو بأي سبب آخر، فإن كان لا يزال بها عظام فهي على ما هي عليه، لبقاء المنفعة التي من أجلها وقفت، إذ لا يجوز نبشها شرعا في هذه الحالة .
وإن اندثرت بحيث لم يبق بها عظام أو لم يدفن فيها أو في بعضها، ولا يرجى أن يعود الدفن في وقت من الأوقات، فقد حصل خلاف بين أبى يوسف ومحمد من تلاميذ الإمام أبي حنيفة .
فمحمد يقول ببطلان وقفها وتعود إلى ملك الواقف إن كان حيًّا أو إلى ورثته إن كان ميتا، وإن لم تكن له ورثة تكون لمصالح عامة المسلمين مطلقا .
وعند أبى يوسف تبقى وقفا أبدا على هذه الجهة، كما في المسجد إذا تخرب واستغنى الناس عنه .
هذا إذا كانت الأرض موقوفة أو مرصودة، لأنه وإن لم يتحقق الوقف فيها إلا أنه يلزم تأييدها إلى الجهة المرصد عليها، وإذا كانت خاصة فإنها مثل الموقوفة يجوز الدفن فيها، لتحقق شرط التسليم على مذهب الإمام محمد .
وخلاصة القول أنه يجوز لولي الأمر سواء أكانت أرض الجبانات موقوفة أو مرصودة الانتفاع بها لأغراض المنافع العامة ما لم يترتب عليها نبش القبور .
وذلك لتيسير الانتفاع ولتحقق المصالح الملائمة لقواعد الدين الإسلامي التي كلها يسر ورحمة لأن العمل بمذهب الإمام محمد أيسر وأوفق بمقاصد الدين السمحة .
وأما مذهب أبي يوسف فيجعل الأرض مهملة بدون انتفاع، فيترتب عليه ضرر بالمصالح التي عينها الواقف بتفويت المنفعة .
ومن ثَمَّ يجوز لولي الأمر أن يتصرف في هذه المقبرة بما فيه المصلحة العامة للمسلمين، بإقامة المنشآت العامة عليها بشرط أن لا يكون فيها شيء من رفات الموتى .