من الفقر ما يبتلي الله به من يشاء من عباده، منه ما يكون معصية على التكاسل وترك السعي أو التبذير والإسراف.

يقول الأستاذ الدكتور محمد سيد أحمد المسير (الأستاذ بجامعة الأزهر):

القرآن المجيد يأمرنا بالسعي والتماس الرزق. قال تعالى: (هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور) (الملك: 15).
وقد علَّم الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أصحابه أن العمل شرف وأن أطيب الكسب عمل الرجل بيده فقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ كما في صحيح الحديث: “لَأن يغدوَ أحدُكم فيحطِب على ظهره فيتصدق به ويستغني به عن الناس خير له من أن يَسأل رجلاً أعطاه أو منعه فإن اليد العليا أفضل من اليد السفلى.

فقر المعصية:
وعلى ضَوْء هذا نستطيع أن نقول: إن الفقر الذي ينشأ عن التكاسل وترك السعي هو فقر معصية يُحاسَب عليه الإنسان، وإن الفقر الذي ينجم عن التبذير والإسراف هو فقر معصية، يُسأل عنه المرء يوم القيامة قال تعالى: (ولا تجعل يدَكَ مغلولةً إلى عنُقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملومًا محسورًا) (الإسراء: 29).
وقد شدد الإسلام النهي عن المسألة والتسوُّل فقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ كما في صحيح مسلم: “من سأل الناس أموالهم تكثرًا فإنما يسأل جمرًا فليستقل أو ليستَكثِر” وفي حديث آخر صحيح: “لا تزال المسألةُ بأحدِكم حتى يلقى الله وليس في وجهه مُزْعَة لحم” أي قطعة لحم.

فقر الابتلاء:
هذا فإن بذل الإنسان جهده والتمس الرزق الحلال من طرُقه المشروعة فلا عليه بعد ذلك أن كان غنيًّا أو فقيرًا فإن لله حكمة ونظام الكون خاضع لمشيئة الله العليا قال تعالى: (إن ربك يبسط الرزق لمَن يشاء ويَقدِر إنه كان بعباده خبيرًا بصيرًا) (الإسراء: 30).

ويضيف الأستاذ الدكتور أحمد الشرباصى-رحمه الله تعالى- من علماء الأزهر:
بل إن هناك نصوصًا دينية تُشيِّد بالفقراء، وتُنوه بفضل فقرهم؛ هم أولئك الذين يتلمسون في بعض الأحيان أسبابًا للعمل فلا يجدونها، أو يُصيبهم عجْزٌ ليس في طاقتهم التغلُّبُ عليه، أو تجري عليهم الأقدار بابتلاء لهم في ثروتهم وأموالهم، فيفقدونها ولا يَستطيعون تعويضها، فهنا تأتي النصوص مُواسيةً ومُشجعة وحافزة على حُسن الاحتمال وجميل الصبر، مع براعة العمل للتخلص من الفقر حينما يتهيأُ السبيل لذلك.