لا يحل لامرأة أن تحد وتظهر الحزن على ميت لها أكثر من ثلاثة أيام ، إلا أن يكون الميت زوجها فتحد عليه أربعة أشهر قمرية وعشرة أيام ، فلا يجوز للأم أن تلبس السواد حزنا على موت ابنها أكثر من ثلاثة أيام ، ولتصبر ولتحتسب حتى تنال بالأجر العظيم ، وهو الجنة.

يقول الدكتور عبد الرحمن العدوي ، أستاذ الفقه بجامعة الأزهر:

إن الله ـ تعالى ـ يقول: { مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ } الحديد : 22.

ففي هذه الآية الكريمة يخبر الله ـ تعالى ـ عباده عن قدره السابق في خلقه من قبل أن يخلق الخليقة، ويبرأ النسمة، أو من قبل أن يوجد المصيبة التي وقعت، وهذه العقيدة التي هي الإيمان بقضاء الله وقدره لها فائدة عظيمة في حياة الإنسان، وقد أظهر الله هذه الفائدة بقوله: { لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} الحديد : 23. أي إذا عرفتم أن الله قدر الأمور قبل وقوعها اطمأنت نفوسكم، فلا يصيبها الجزع عند المصائب، ولا يصيبها الكبر والبطر عند النعم، وسعة الأرزاق، فتكون هذه العقيدة سببًا في اطمئنان النفس، والتسليم بما أراده الله وقضاه، والله يثبت الصابرين الشاكرين.

ولذلك فإننا نقول للأم التي تجزع لفقد ابنها، وتظهر الحزن وتستمر فيه، نقول لها: إن التسليم لقضاء الله خير لها وأبقى، حتى يكون هذا المصاب في حسناتها إذا صبرت عليه، والله تعالى يقول: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} البقرة :155  ، وروى البخاري ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ رضي الله عنه ‏أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال: يقول الله تعالى:

(‏ ‏ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا ‏ ‏قبضت صفيه‏ ‏من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة )، والصفي : الحبيب المصافي كالولد والأخ وكل من يحبه الإنسان ، والمراد بالقبض قبض روحه وهو الموت ، ومعنى احتسبه: صبر على فقده راجيا الأجر من الله على ذلك ، وأصل الحِسبة الأجرة ، والاحتساب طلب الأجر من الله تعالى خالصا .

وفي صحيح البخاري : ” باب فضل من مات له ولد “.

وروى أحمد والنسائي من حديث قرة بن إياس ” أن رجلا كان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم ومعه ابن له ، فقال : أتحبه ؟ قال : نعم . ففقده فقال ما فعل فلان ؟ قالوا : يا رسول الله مات ابنه , فقال : ألا تحب أن لا تأتي بابا من أبواب الجنة , إلا وجدته ينتظرك ؟ فقال رجل : يا رسول الله أله خاصة أم لكلنا ؟ قال : بل لكلكم ” وسنده على شرط الصحيح وقد صححه ابن حبان والحاكم.

وقد علمنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما نقوله عند فقد من نحب، وأرشدنا إلى عدم الجزع، فقد روى الترمذي وأحمد وأبو داود ‏عن ‏ ‏أبي سلمة ‏ ‏أن رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال: ”  ‏إذا أصاب أحدكم مصيبة فليقل إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم عندك ‏ ‏احتسبت‏ ‏مصيبتي فأْجرني فيها وأبدلني منها خيرا “، والأجر هو ثواب الله، وعند الله خزائن السماوات والأرض، وهو القادر على أن يخلف على الصابرين خيرًا مما فقد منهم، ومن يطلب ثواب الله ورضاه يستجيب لأمره وأمر رسوله: {} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ} الأنفال: 24 .

ومدة الحداد على الميت ثلاثة أيام فقط ، باستثناء الزوج فأربعة أشهر وعشرة أيام ، روى البخاري في صحيحه عن ‏زينب بنت أبي سلمة ‏ قالت: دخلت على ‏ ‏أم حبيبة زوج النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فقالت ‏ : ‏سمعت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول:

” ‏لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر‏ ‏تحد ‏‏ على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا “، ثم دخلت على ‏زينب بنت جحش ‏حين توفي أخوها فدعت بطيب فمست به ثم قالت: ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏على المنبر يقول: ” لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر ‏تحد ‏‏ على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا “.

أما الذين يجزعون، ويسخطون فقد خسروا ثواب الله، ولم يعد إليهم المفقود، فصارت خسارتهم مرتين، وذلك ليس من العقل في شيء، فصبرًا صبرًا على قضاء الله، فهو الخالق الرازق المحيي المميت، وهو على كل شيء قدير.