جاء في كتاب الأذكار للنووي: إذا كان جالسًا مع قوم ثم قام ليفارقهم فالسُّنَّة أن يُسَلِّم عليهم، ففي سنن أبي داود والترمذي وغيرهما بالأسانيد الجيدة عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ ﷺ ـ “إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليُسَلِّم، فإذا أراد أن يقوم فليُسَلِّم، فليست الأولى بأحق من الآخرة” قال الترمذي: حديث حسن.
يقول النووي تعليقًا على هذا الحديث ما مُؤداه، ظاهر الحديث أنه يجب على الجماعة رد السلام على هذا الذي سلَّم عليهم وفارقهم، وقد قال الإمامان القاضي حسين وصاحبه أبو سعيد المتولي: إنه يُسْتَحب ولا يجب؛ لأن التحية إنما تكون عند اللقاء لا عند الانصراف، وهذا كلامهما، وقد أنكر الإمام أبو بكر الشاشي الأخير من أصحابنا ـ أي الشافعية ـ وقال هذا فاسد؛ لأن السلام سُنَّة عند الانصراف كما هو سُنَّة عند الجلوس وفيه هذا الحديث، وهذا الذي قاله الشاشي هو الصواب.
وفي الكتاب نفسه بعد هذا الفصل مباشرة قال النووي: إذا مرَّ على واحد أو أكثر وغلب على ظنه أنه إذا سَلَّم لا يرد عليه إما لتكبُّر الممرور عليه وإما لإهمال المار، وإما لغير ذلك فينبغي أن يُسَلِّم ولا يتركه لهذا الظَّن، فإن السلام مأمور به، والذي أُمِر به المار أن يسلِّم ولم يُؤمر بأن يحصل الرد، مع أن الممرور عليه قد يُخطئ الظَّن فيه ويَرُدّ.
ثم يقول النووي: وأما قول من لا تحقيق عنده: إنَّ سلام المار سبب لحصول الإثم في حق المرور عليه فهو جهالة ظاهرة وغباوة بينة، فإن المأمورات الشرعية لا تسقط عن المأمور بها بمثل هذه الخيالات، ولو نظرنا إلى هذا الخيال الفاسد لتركنا إنكار المنكر على من فعله جاهلاً كونه منكرًا وغلب على ظننا أنه لا ينزجر بقولنا، فإن إنكارنا عليه وتعريفنا له قبحه يكون سببًا لإثمه كذا إذا لم يقلع عنه، ولا شك في أننا لا نترك الإنكار بمثل هذا.
ثم يقول النووي: وَيُسْتَحب لمن سَلَّم عَلَى إنسان وأسمعه سلامه وتوجه عليه الرد بشروطه فلم يرد أن يُحَلله من ذلك فيقول أبرأته من حقي في ردِّ السلام، أو جعلته في حِلٍّ منه، ونحو ذلك ويلفظ بهذا، فإنه يسقط به حق هذا الآدمي.
ثم يروي حديثًا عن الرسول ـ ﷺ ـ “من أجاب السَّلام فهو له، ومن لم يُجِبْ فليس منَّا” ويستحب لمن سلَّم على إنسان فلم يرد عليه أن يقول بعبارة لطيفة: ردُّ السلام واجب، فينبغي لك أن ترد عليّ لِيَسْقط عنك الفرض.