اختلف الفقهاء في قول سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ،على النحو التالي:
الأول :أن على الإمام أن يقول :سمع الله لمن حمده ،ربنا ولك الحمد .
الثاني:أن يقول الإمام :سمع الله لمن حمده ،ويقول المأمومون :ربنا ولك الحمد.
الثالث:أن يقول المأموم مع الإمام:سمع الله لمن حمده ،ربنا ولك الحمد.
أما المنفرد فيقول :سمع الله لمن حمده ،ربنا ولك الحمد ،فيجمع بين القولين.
قال الفقيه عبدالرحيم بن حسين العراقي من فقهاء الشافعية في كتابه طرح التثريب في شرح الحديث الذي رواه أبو هريرة قال: قال رسول الله ﷺ { إنما الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فأركعوا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا اللهم ربنا ولك الحمد وإذا سجد فاسجدوا وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون } زاد مسلم في رواية { وإذا صلى قائما فصلوا قياما } وفي رواية { لا تبادروا الإمام وفيها وإذا قال ولا الضالين فقولوا آمين } وفي رواية له { فلا ترفعوا قبله}.
واستدل بهذا الحديث من ذهب إلى أن الإمام يقتصر على قوله سمع الله لمن حمده وأن المأموم يقتصر على قوله ربنا لك الحمد وهو مذهب مالك وأبي حنيفة . وفيه قول ثان أن الإمام يجمع بينهما والمأموم يقتصر على قوله ربنا لك الحمد وهو قول أحمد بن حنبل وأبي يوسف ومحمد كما حكاه عنهما صاحب الهداية وإنهما قالا في قوله سمع الله لمن حمده أن الإمام يقولها في نفسه وهو قول في مذهب مالك أيضا أعني جمع الإمام بينهما واقتصار المأموم على قوله ربنا لك الحمد وفيه قول ثالث وهو جمع الإمام والمأموم بين اللفظين معا فقوله سمع الله لمن حمده ذكر الانتقال وقوله ربنا لك الحمد ذكر الاعتدال لأنه عليه الصلاة والسلام جمع بينهما وقال { صلوا كما رأيتموني أصلي } .
وغاية ما في حديث الباب السكوت عن قول المأموم سمع الله لمن حمده وعن قول الإمام ربنا ولك الحمد فيستفاد ذلك من دليل آخر فأما جمع الإمام بينهما ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال { كان رسول الله ﷺ إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم ثم يكبر حين يركع ثم يقول سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركعة ثم يقول وهو قائم ربنا ولك الحمد } وفي الصحيحين عن أبي هريرة أيضا قال { كان رسول الله ﷺ إذا قال سمع الله لمن حمده قال اللهم ربنا لك الحمد } . وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن أبي أوفى قال { كان رسول الله ﷺ إذا رفع رأسه من الركوع قال سمع الله لمن حمده اللهم ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد } .
وفي الباب أحاديث أخر وفي هذه كفاية وقد ورد في جمع المأموم بينهما أحاديث في إسنادها ضعف فنذكرها مع أن الاعتماد على قوله ﷺ { صلوا كما رأيتموني أصلي } فروى الدارقطني في سننه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال { كنا إذا صلينا خلف رسول الله ﷺ فقال سمع الله لمن حمده قال من وراءه سمع الله لمن حمده } قال الدارقطني والمحفوظ بهذا الإسناد { إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فليقل من وراءه ربنا لك الحمد } وروى الدارقطني والبيهقي في الخلافيات عن بريدة قال { قال لي النبي ﷺ يا بريدة إذا رفعت رأسك من الركوع فقل سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد } وهذا عام في جميع أحواله إماما كان أو مأموما أو منفردا.
قال البيهقي فيه جابر الجعفي لا يحتج به ومن دونه أكثرهم ضعفا وقال ابن المنذر: اختلفوا في المأموم إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقالت طائفة يقول سمع الله لمن حمده اللهم ربنا ولك الحمد كذلك قال محمد بن سيرين وأبو بردة والشافعي وإسحاق ويعقوب ومحمد وقال عطاء يجمعهما مع الإمام أحب إلي .
وقالت طائفة : إذا قال سمع الله لمن حمده فليقل من خلفه ربنا ولك الحمد هذا قول عبد الله بن مسعود وابن عمر وأبي هريرة والشعبي وبه قال مالك وقال أحمد إلى هذا انتهى أمر النبي ﷺ .
وأما المنفرد فقال الشافعي يجمع بينهما كالإمام والمأموم فكل مصل كذلك وبه قال ابن حزم الظاهري وعزاه لطائفة من السلف الصالح وممن قال يجمع المنفرد بينهما مالك وأحمد بن حنبل وإن ما يقولان ذلك في المأموم وقال صاحب الهداية من الحنفية والمنفرد يجمع بينهما في الأصح وإن كان يروى الاكتفاء بالتسميع ويروى بالتحميد انتهى . وقال ابن عبد البر لا أعلم خلافا في جمع المنفرد بينهما .