يقول أ. د عبد الفتاح إدريس أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر :
الأصل في صيغة الطلاق أن تكون لإنهاء العلاقة الزوجية بين زوجين استحالت المعاشرة بينهما ، إلا أن هذه الصيغة قد تَصْدُر ممن لا يريد إنهاءَ علاقته بزوجته ، وإنما يريد بها مجرد القسم للحَمْل على فعل شيء أو تركه ، كقول الزوج : عليَّ الطلاق لأفعلنَّ كذا ، أو لا أفعل كذا ، واتخاذ الطلاق يمينًا يُحْلَف به لم يكن في عهد الصحابة ، وإنما كَثُرَ الحَلِف به في عهد التابعين ، يقول ابن القيم : لم يكن الحَلِف بالطلاق مُتعارَفًا في صدر الإسلام ، وهذا مما حدث الإفتاء به بعد انقراض عصر الصحابة ، ولا يُحفَظ عن صحابي إلزام الطلاق في ذلك .
ولَمَّا كَثُر الحَلِف به في عهد التابعين أفتى كثير منهم بأنه لا يقع به شيء من الطلاق ، إذ رُوِيَ عن طاووس أنه قال : ليس الحَلِفُ بالطلاق شيئًا ، وصَحَّ عن عِكْرمة مولى عبد الله بن عباس أنه قال في أيمان الطلاق : إنها من خطُوات الشيطان لا يَلْزَم بها شيء ، ورُوِيَ عن شُرَيْح أنه قال : إنه لا يَلْزَم بأيمان الطلاق شيء ، وقد قال برأيهم بعض الشافعية والحنابلة ، وإليه ذهب داود الظاهري لِمَا رُوي عن ابن عمر أن رسول الله ـ ﷺ ـ قال : “مَن كان حالفًا فلا يَحْلِف إلا بالله” .
فالحَلِف بالطلاق ليس حَلِفًا ، وإنما هو معصية ؛ لمُخالفة الحالف لِما أُمِرَ بالحَلِف به ، ولا يُعَدُّ يمينًا إلا ما سمَّاه الله سبحانه يمينًا ، والحَالف بالطلاق يستعمله في غير ما شُرِع له ؛ لأنه لا يُريد في الكثير الغالب إيقاعَ الطلاق أو حدوث الفُرْقة الزوجية ، وإنما يريد الحَمْل على فعل شيء معيَّن أو تركه ، أو تأكيد خبر عن حدَث مضى ، ونحو ذلك .