اليمين الكاذبة من الكبائر التي تقود صاحبها إلى عذاب الله يوم القيامة، وقد يعجل الله للحالف الكاذب العقوبة في الدنيا فيبتليه بالفقر والهلاك في الدنيا(ولعذاب الآخرة أشد وأبقى).
يقول فضيلة الدكتور حسام الدين بن موسى عفانة -أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين-:

إن اليمين الكاذبة المتعمدة ، والتي تؤكل بها أموال الناس وحقوقهم ، من الكبائر ومن الأسباب الموجبة لدخول النار والعياذ بالله وعلى ذلك تدل الأدلة من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمن ذلك قول الله تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) سورة آل عمران /77 . ففي هذه الآية عقوبات لمن يحلف كاذباً متعمداً ، ليأكل حقوق الناس وهي :

1- لا حظ له في الآخرة ولا نصيب له من رحمة الله .
2-لا يكلمه الله سبحانه وتعالى كلام أنس ولطف .
3-يعرض الله عنه يوم القيامة ، فلا ينظر إليه بعين الرحمة .
4-لا يطهر من الأوزار والذنوب .
5- يعذبه الله عذاباً أليماً على ما ارتكب من المعاصي .

ومنها ما ثبت في الحديث، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من حلف على يمين وهو فيها فاجر يقتطع بها مال امرئٍ مسلم ، لقي الله وهو عليه غضبان ) رواه أبو داود وابن ماجة وهو حديث صحيح . ومنها ما ثبت في الحديث ، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يقتطع رجل حق امرئٍ مسلمٍ بيمينه ، إلا حرّم الله عليه الجنة ، وأوجب عليه النار ، فقال رجل من القوم: يا رسول الله وإن كان شيئاً يسيراً ، قال عليه الصلاة والسلام: وإن كان سواكاً من أراك ) رواه ابن ماجة ، وقال الشيخ الألباني: صحيح ، انظر صحيح سنن ابن ماجة 2/36 . وغير ذلك من النصوص ، وكل ذلك في العقوبة الأخروية .

وأما تعجيل العقوبة في الدنيا فإن الله سبحانه وتعالى قد يعجل العقوبة في الدنيا على بعض الذنوب ، ومن ذلك تعجيل عقوبة قاطع الرحم والظالم وحالف الأيمان الكاذبة ، فقد ورد في ذلك أحاديث منها :

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ليس شيء أُطيعَ الله فيه ، أعجل ثواباً من صلة الرحم ، وليس شيء أعجل عقاباً من البغي وقطيعة الرحم واليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع ) رواه البيهقي 10/350 ، وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة 2/706 ، وبلاقع ، جمع بلقع وبلقعة ، وهي الأرض القفر التي لا شجر فيها ، ذكره الزبيدي ونقل عن بعض العلماء ، أن معنى الحديث ” أي يفتقر الحالف ويذهب ما في بيته من المال ، أو يفرق الله شمله ويغيّر ما أولاه من نعمة ” تاج العروس 11/30 . 2

وعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( اليمين الفاجرة تذهب المال) رواه البزار بسند صحيح ، كما قاله ابن حجر الهيتمي ، الزواجر 2/404 .

وقد وقع تعجيل العقوبة الدنيوية لمن حلف كاذباً ليستحل دماء الناس وأموالهم ، كما ثبت في صحيح البخاري في الحادثتين التاليتين:

الأولى : روى الإمام البخاري بسنده ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ” إن أول قسامة كانت في الجاهلية ، لفينا بني هاشم، كان رجل من بني هاشم استأجره رجل من قريش ، من فخِذٍ أخرى ، فانطلق معه في إبله فمر به رجل من بني هاشم قد انقطعت عروة جوالقه ، فقال: أغثني بعقال أشد به عروة جوالقي لا تنفر الإبل فأعطاه عقالاً ، فشد به عروة جوالقه ، فلما نزلوا ، عقلت الإبل إلا بعيراً واحداً ، فقال الذي استأجره: ما شأن هذا البعير لم يعقل من بين الإبل ؟ قال: ليس له عقال ، قال: فأين عقاله؟ قال: فحذفه بعصاً كان فيها أجله ، فمر رجل به من أهل اليمن فقال: أتشهد الموسم ؟ قال: ما أشهد ، وربما شهدته ، قال: هل أنت مبلغ عني رسالة مرة من الدهر ؟ قال: نعم ، قال: فكتب ، إذا أنت شهدت الموسم فناد يا آل قريش ، فإذا أجابوك فناد يا آل بني هاشم ، فإن أجابوك ، فسل عن أبي طالب ، فأخبره أن فلاناً قتلني في عقال ، ومات المستأجَر ، فلما قدم الذي استأجره ، أتاه أبو طالب فقال: ما فعل صاحبنا ؟ قال مرض فأحسنت القيام عليه ، فوليت دفنه ، قال: قد كان أهل ذاك منك فمكث حيناً ، ثم إن الرجل الذي أوصى إليه أن يبلغ عنه ، وافى الموسم فقال: يا آل قريش ، قالوا هذه قريش ، قال يا بني هاشم ، قالوا: هذه بنو هاشم ، قال: من أبو طالب ؟ قالوا : هذا أبو طالب ، قال : أمرني فلان أن أبلغك رسالة ، أن فلاناً قتله في عقال ، فأتاه أبو طالب فقال له : إختر منا إحدى ثلاث ، إن شئت أن تؤدي مائة من الإبل ، فإنك قتلت صاحبنا وإن شئت ، حلف خمسون من قومك ، أنك لم تقتله ، فإن أبيت ، قتلناك به ، فأتى قومه، فقالوا نحلف ، فأتته امرأة من بني هاشم كانت تحت رجل منهم قد ولدت له ، فقالت : يا أبا طالب ، أحب أن تجيز أبني هذا برجل من الخمسين ولا تصبر يمينه حيث تصبر الأيمان ، ففعل ، فأتاه رجل منهم فقال : يا أبا طالب ، أردت خمسين رجلاً أن يحلفوا مكان مئة من الإبل ، يصيب كل رجل بعيران ، هذان بعيران فاقبلهما مني ولا تصبر يميني حيث تصبر الأيمان فقبلهما ، وجاء ثمانية وأربعون ، فحلفوا ، قال ابن عباس: فالذي نفسي بيده ما حال الحول ومن الثمانية وأربعين عين تطرف “.

الثانية :  روى الإمام البخاري بسنده عن أبي قلابة حديثاً طويلاً وفيه : ” وقد كانت هذيل خلعوا خليعاً لهم في الجاهلية ، فطرق أهل بيت من اليمن بالبطحاء ، فانتبه له رجل منهم ، فحذفه بالسيف فقتله ، فجاءت هذيل فأخذوا اليماني ، فرفعوه إلى عمر بالموسم وقالوا: قتل صاحبنا ، فقال: إنهم قد خلعوه ، فقال: يقسم خمسون من هذيل ما خلعوه، قال: فأقسم منهم تسعة وأربعون رجلاً ، وقدم رجل منهم من الشام ، فسألوه أن يقسم ، فافتدى يمينه منهم بألف درهم ، فأدخلوا مكانه رجلاً آخر ، فدفعه إلى أخي المقتول ، فقرنت يده بيده ، قالوا فانطلقنا والخمسون الذين أقسموا حتى إذا كانوا بنخلة أخذتهم السماء – أي المطر – فدخلوا في غار في الجبل ، فانهجم الغار على الخمسين الذين أقسموا ، فماتوا جميعاً وأفلت القرينان وأتبعهما حجر فكسر رجل أخي المقتول فعاش حولاً ثم مات ” . وهكذا ينتقم الله عز وجل في الدنيا من حالفي أيمان الزور والكذب ، وفي ذلك عبرة للمعتبرين .