لا يجوز أخذ أموال الناس بدون وجه حق ، ومن أحسن الله إليه وأيقظ الإيمان في قلبه فأفاق على توبة أقضت مضجعه ، ونغصت عليه حياته، والحل مع الندم عدم العود إلى ذلك أبدا وأن يبحث عن الشخص صاحب المال فإن تعذر الوصول إليه فليتخلص من هذا المال الذي معه في وجوه الخير للفقراء والمساكين توبة إلى الله لا تصدقا به ؛ لأنه ليس ملكه حتى يتصدق به.

جاء في كتاب فقه التوبة للشيخ يوسف القرضاوي:

فمن كان في ذمته حقوق مالية لغيره، ثم تاب وتعذر عليه ردها إلى أصحابها، أو إلى ورثتهم، لجهله بهم، أو لانقراضهم، أو لغير ذلك، فاختلف في توبة مثل هذا.
فقالت طائفة: لا توبة له إلا بأداء هذه المظالم إلى أربابها، فإذا كان ذلك قد تعذر عليه، فقد تعذرت عليه التوبة، والقصاص أمامه يوم القيامة بالحسنات والسيئات ليس إلا.
قالوا: فإن هذا حق الآدمي لم يصل إليه، والله سبحانه لا يترك من حقوق عباده شيئًا، بل يستوفيها لبعضهم من بعض، ولا يجاوزه ظلم ظالم، فلابد أن يأخذ للمظلوم حقه من ظالمه، ولو لطمة، ولو كلمة، ولو رمية بحجر.
قالوا: وأقرب ما لهذا في تدارك الفارط منه: أن يكثر من الحسنات، ليتمكن من الوفاء منها يوم لا يكون الوفاء بدينار ولا بدرهم، فيتجر تجارة يمكنه الوفاء منها. ومن أنفع ما له: الصبر على ظلم غيره له وأذاه، وغيبته وقذفه، فلا يستوفي حقه في الدنيا، ولا يقابله، ليحيل خصمه عليه إذا أفلس من حسناته، فإنه كما يؤخذ منه ما عليه: يستوفي أيضًا ماله، وقد يتساويان، وقد يزيد أحدهما عن الآخر.
ثم اختلف هؤلاء في حكم ما بيده من الأموال.
-فقالت طائفة: يوقف أمرها، ولا يتصرف فيها البتة.
-وقالت طائفة: يدفعها إلى الإمام أو نائبه، لأنه وكيل أربابها، فيحفظها لهم، ويكون حكمها حكم الأموال الضائعة.
-وقالت طائفة أخرى: بل باب التوبة مفتوح لهذا، ولم يغلقه الله عنه، ولا عن مذنب، وتوبته: أن يتصدق بتلك الأموال عن أربابها بأن يدفعها إلى الفقراء والمحتاجين، أو إلى جهات الخير ومصالح المسلمين.
-فإذا كان يوم استيفاء الحقوق، كان لأرباب المال الخيار: بين أن يجيزوا ما فعل، وتكون أجورها لهم، وبين أن لا يجيزوا، فيأخذوا من حسناته بقدر أموالهم، ويكون ثواب تلك الصدقة له، إذ لا يبطل الله سبحانه ثوابها، ولا يجمع لأربابها بين العوض والمعوض، فيغرمه إياها، ويجعل أجرها لهم، وقد غرم من حسناته بقدرها.
قال ابن القيم:
وهذا مذهب جماعة من الصحابة، كما هو مروي عن ابن مسعود، ومعاوية وحجاج بن الشاعر.
فقد روى أن ابن مسعود ” اشترى من رجل جارية، ودخل يزن له الثمن، فذهب رب الجارية، فانتظره حتى يئس من عوده، فتصدق بالثمن، وقال: اللَّهُمَّ هذا عن رب الجارية، فإن رَضيَ فالأجر له، وإن أبى فالأجر لي، وله من حسناتي بقدره “.
و ” غل رجل من الغنيمة، ثم تاب، فجاء بما غله إلى أمير الجيش، فأبى أن يقبله منه، وقال: كيف لي بإيصاله إلى الجيش، وقد تفرقوا؟ فأتى حجاج بن الشاعر، فقال: يا هذا، إن الله يعلم الجيش وأسماءهم وأنسابهم، فادفع خُمسه إلى صاحب الخمس، وتصدق بالباقي عنهم، فإن الله يوصل ذلك إليهم – أو كما قال – ففعل… فلما أخبر معاوية قال: لأن أكون أفتيتك بذلك أحب إلى من نصف ملكي !.