كل ما أحدثه الناس في الدين غير الأحكام الدنيوية بدعة يستحق متبعها العقوبة في النار ، فقد أتم الله الدين فمن زاد فيه كمن نقص كلاهما جان عليه ، وأما السنة الحسنة فهي تشمل كل ما يخترعه الناس من طرق المنافع والمرافق الدنيوية ، وفاعلها مأجور عند الله تعالى .
يقول فضيلة الشيخ محمد رشيد رضا– رحمه الله- :
كل ما أحدثه الناس في أمر الدين ولم يأخذوه من كتاب الله أو سنة رسوله المبينة لكتابه فهو بدعة سيئة وضلالة يستحق متبعها العقوبة في النار ، وإن لم يصح في الحديث زيادة : ( وكل ضلالة في النار ) فقد أتم الله الدين وأكمله فمن زاد فيه كمن نقص منه كلاهما جان عليه وغير راض بما شرعه الله ، وأعني بالدين هنا : مسائل العقائد والعبادات والحلال والحرام دون الأحكام الدنيوية التي فوض الشرع أمرها إلى أولي الأمر ليقيسوها على الأصول العامة التي وضعها لها .
ذلك أن الجزئيات لا تنحصر فيحددها الشرع ؛ بل تختلف باختلاف العرف والزمان والمكان ؛ فمن ابتدع طريقة لتسهيل التعامل أو التقاضي غير ما كان عليه السلف ؛ وكانت نافعة غير منافية للأصول الشرعية العامة كبعض نظام المحاكم الجديد ؛ كان له أجر ذلك .
وأما ما يعتقد في الله واليوم الآخر , وما يتقرب إلى الله تعالى به من العبادة فهو لا يختلف ولذلك لا يقبل رأي أحد فيه ، بل يؤخذ كما ورد عن الشارع من غير زيادة ولا نقصان ، وإننا لنعجب من الذين زادوا في العبادات أحكامًا وأذكارًا ، وأورادًا كيف غفلوا عن تقصير الناس في القيام بما ورد فقاموا يطالبونهم بأكثر منه , وقد قال النبي ﷺ في الأعرابي الذي حلف أنه لا يزيد على ما فرض الله عليه شيئًا ، ولا ينقص منه شيئًا : ( أفلح الأعرابي إن صدق ) وهذه أذكار القرآن وأدعيته لا نكاد نرى مسلمًا من أهل الأوراد يدعو بها كلها ، فهل كانت أدعية شيوخهم المخترعة خيرًا منها ؟ على أن الدعاء بغير ما ورد لا يعد بدعة إلا إذا كان مخالفًا لما ورد ، أو كان معه بدعة أخرى كاتخاذه شعارًا دينيًّا والتزامه في مواقيت معينة .
وأما السنة الحسنة والسنة السيئة في الحديث الآخر فهي تشمل كل ما يخترعه الناس من طرق المنافع والمرافق الدنيوية أو طرق المضار والشرور , فمن اخترع طريقة نافعة ؛ كان مأجورًا عند الله تعالى ما عمل الناس بسنته، وله مثل أجر كل عامل به ؛ لأنه السبب فيه ، وكذلك حكم مخترعي طرائق الشرور والمضار ، كالضرائب والغرامات والفواحش عليهم وزرها ما عمل الناس بها كما تقدم .
وقالوا : بدعة حسنة وبدعة سيئة وهو يصح في البدعة اللغوية أو الدنيوية ، ومن قال من العلماء : إن البدعة لا تكون إلا سيئة أراد البدعة الشرعية – أي : الابتداع في الدين – وقد ذكر نحو هذا ابن حجر في الفتاوى الحديثية .