تناول طعام السحور سنة نبوية ، وفي التنبيه على السحور دلالة على الخير وتعاون على البر ، والإعلان بوقت السحور له أصل في الدين ، فقد كان في أيام النبوة يأذن بلال قبيل الوقت الحقيقي للفجر ، وكان في العصور التالية بوسائل شتى كإضاءة الأنوار والضرب على الآلات وغير ذلك ، فإذا اقتضت سنة التطور بقيام المسحراتي في الإعلان فلا بأس مادام ذلك في الإطار العام للدين.

يقول الشيخ عطية صقر من كبار علماء الأزهر-رحمه الله تعالى-:

معلوم أن تناول طعام السَّحور سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك للتقوِّي به على الصيام ، كما جاء في حديث البخاري ومسلم : “تسحروا فإن في السحور بركة” ، ووقته من منتصف الليل إلى طلوع الفجر ، والمستحب تأخيره ، ففي البخاري ومسلم عن زيد بن ثابت : تسحَّرنا مع الرسول صلى الله عليه وسلم ثم قمنا إلى الصلاة ، وكان قدر ما بينهما خمسين آية ، وكان هناك أذانان للفجر ، أحدهما يقوم به بلال ، وهو قُبيل الوقت الحقيقي للفجر ، والثاني يقوم به عبد الله بن أم مكتوم ، وقد بيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم أن أذان بلال ليس موعدًا للإمساك عن الطعام والشراب والمفطرات لبدء الصيام ، وأذِن لنا فى تناول ذلك حتى نسمع أذان ابن أم مكتوم.

ففي حديث البخاري ومسلم : “أن بلالاً يؤذِّن بليل ، فكلوا واشربوا حتى يؤذِّن ابن أم مكتوم” رواه أحمد وغيره ، قوله صلى الله عليه وسلم : “لا يمنعنَّ أحدَكم أذانُ بلال من سحوره ، فإنه يؤذن ـ أو قال ينادي ـ ليرجع قائمكم وينبه نائمكم.

ومن هنا كان أذان بلال بمنزلة الإعلام بالتسحير في شهر رمضان ، وما كان الناس في المدينة يحتاجون إلى أكثر من ذلك للتنبيه على السحور.

يقول المؤرخون : لما جاء إلى مصر عتبة بن إسحاق واليًا من قِبَل الخليفة العباسي المنتصر بالله قام هو بالتسحير سائرًا على قدميه من مدينة العسكر في الفسطاط حتى جامع عمرو بن العاص ، وكان ذلك سنة 238 هـ ، وممن اشتهروا بالتسحير “الزمزمي” في مكة ، و”ابن نقطة” في بغداد ، وكان الزمزمي يتولي التسحير في صومعته بأعلى المسجد ومعه أخوان صغيران يقول: يا نيامًا قوموا للسحور ، ويُدلي حبلاً فيه قنديلان كبيران ، مَن لم يسمع النداء يرى النور: ثم تطوَّر التسحير فكان أهل مصر أول من ابتكروا “البازة” مع الأناشيد ، ويقوم عدة أشخاص معهم طبل بلدي وصاجات برئاسة المسحراتي ، ويغنون أغاني خفيفة ، (إبراهيم عناني ـ جريدة الأخبار 15من رمضان 1414هـ ـ 25 من فبراير 1994م).

ويقول الدكتور حسين مجيب المصري : الشعر الذي كان يستخدمه المسحراتي كان يُسمَّى “فن القوما” ، واشتهر به ” ابن نقطة” الذي كان موكولاً إليه إيقاظ الخليفة للسحور ، ولا يُلتزم فيه باللغة العربية.

وذكر نموذجًا منه: وذكر أن ظهور فانوس رمضان ارتبط بالمسحراتي ، وكان يُعلَّق بالمآذن ، وشاهده ابن بطوطة في رحلته ورأى في الحرم المكي الاحتفال برمضان ، وقال: كانوا يعلقون قنديلين للسحور ليراهما مَن لم يسمع الأذان ليتسحر “الأخبار 18/4/1988 ، 25/2/1994”. نرى من هذا أن الإعلام بوقت السحور له أصل في الدين ، فكان في أيام الرسول صلى الله عليه وسلم بأذان بلال ، وكان في العصور التي تلت ذلك بوسائل شتى ، بإضاءة الأنوار ، وبإنشاد الأشعار ، وبالضرب على الآلات ، ثم بإطلاق الصفارات وضرب المدافع وغير ذلك من الوسائل.

ولا ينبغي أن نسرع بإطلاق اسم البدعة وجعْلها ضلالة في النار على كل شيء جديد لم يكن بصورته الحالية موجودًا في عهد التشريع ، فقد يكون له أصل مشروع ، والصورة هي التي تغيرت ، فإن كانت الصورة غير خارجة عن الدين فلا بأس بها أبدًا ، وسنة التطور تقضي بذلك ما دامت في الإطار العام للدين ، وفي التنبيه على السحور دلالة على الخير وتعاون على البر ، والدال على الخير كفاعله ، والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه.