الأصل في الأشياء الحل وما دامت لم تذكر في المحرمات التي نص عليها القرآن الكريم ولا تلك التي أضافتها السنة المطهرة فتبقى على أصل جوازها .
وقد جاء في تعريف الأنفحة في الموسوعة الفقهية (5/155) : هي مادة بيضاء صفراوية في وعاء جلدي يستخرج من بطن الجدي أو الحمل الرضيع يوضع منها قليل في اللبن الحليب فينعقد ويصير جبنا ، يسميها بعض الناس في بعض البلاد “مجبنة”. وجلدة الأنفحة هي التي تسمى : كرشا إذا رعى الحيوان العشب .أهـ

ومن القواعد المقررة في الشريعة أن الأصل في المطعومات الحِل ، إلا ما قام الدليل على تحريمه كالدم و لحم الخنزير والميتة ، والحكم الشرعي في الإنفحة أنها إذا أُخذت من حيوان مذكى ذكاة شرعية فهي طاهرة مأكولة ، وأما إن صنعت من لبن حيوان لا يجوز أكله فلا تؤكل إجماعاً .
وإن عملت من أنفحة ميتة ففي جواز أكلها خلاف ، والراجح تحريم أكلها .
وأما إن عملت من أنفحة نجس العين كالخنزير فلا تؤكل .

وقد صدر من مجمع الفقه الإسلاميّ بجدة في دورته المنعقدة في أكتوبر 1986 بعمان ـ الأردن القرار رقم 11 التالي:
“لا يحلّ لمسلم استعمال الخمائر والجيلاتين المأخوذة من الخنازير في الأغذية، وفي الخمائر والجيلاتين المتخَذَة من النباتات أو الحيوانات المُذَكّاة شرعًا غُنْيَةٌ عن ذلك”.

ولكن إذا جُهل حال الإنفَحَة التي انعقدت بها الجُبْن وعمَّت البلوى بها ودعت الحاجة إلى تناول هذه الأجبان التي يُشَكّ في انعقادها بخميرة الببسين الخنازيرية، فإنه يباح تناولها حينئذ؛ لأن الحاجة تنزل منزلة الضرورة، سواء كانت الحاجة عامة أو خاصة.

وأما إذا أخذت الإنفَحَة من ميتة حيوان آخر غير الخنزير أو من حيوان مُذَكًّى ذكاةً غير شرعية فهي إنفَحَة نجسة عند جمهور الفقهاء أبو يوسف ومحمد من الحنفية، والمالكية والشافعية والحنابلة إلا أنه يحلّ تناول الجُبْن المحضّر بها عند الأكثرين من جمهور الصحابة رضوان الله عليهم، وأبي حنيفة والشافعية والحنابلة وبعض المالكية لما رُوي أن الصحابة أكلوا الجُبْن لما دخلوا المدائن، وهم يحضّرونه من الإنفَحَة التي تؤخذ من صغار الماعز التي يذبحونها، وذبائحهم مَيتة. ورُوي عن عمر بن شُرَحْبِيلَ قال: سئل عمر ـ رضي الله عنه ـ عنه الجُبْن وقيل له: إنه يُعمل بإنفَحَة الميتة. فقال: سَمُّوا أنتم وكُلُوا. وقال بمثل قوله هذا عليٍّ رضي الله عنه.

ومن ثَمَّ فإن مَنْعَ تناولِ الجُبْن المحضّر من إنفَحَة معيَّنة محصور في نطاق ضيق لا يترتب عليه الوقوع في الحرج أو الضيق، وهذا وغيره دليل على يسر هذا الدين ورفعه الحَرَجَ والضيق عن مُعتنقيه، وصدق الله العظيم إذا يقول: (يريدُ اللهُ بكم اليُسرَ ولا يريدُ بكم العُسرَ) ويقول: (وما جعَل عليكم في الدين من حرج) وصدق رسوله الكريم ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ إذ يقول: “إن الدين يُسْرٌ”. فلا عَنَتَ يَلحَق المكلَّفين به ولا حَرَجَ.رواه مسلم .

وبهذا يعلم أن الأصل في المأكولات الحل إلا ما دل الدليل على تحريمه كالميتة والدم وما ذبح لغير الله أو ذُكر عليه غير اسم الله . فأي مأكولات إن ثبت أنه يدخل في تركيبها شيء من المحرم فإنه يجب اجتنابها وإلا فلا ، وإن شكّ أن فيها شيئا من المحرم – دون وسوسةٍ – فيستحب تركه ورعاً .