الأفعال الكثيرة التي تبطل الصلاة أو تنقص من أجر المصلي هي ما كانت لغير حاجة، أما إذا دعت حاجة إلى ذلك فلا بأس، وعليه فما يفعله الإمام أثناء الصلاة من أجل إصلاحها، لا حرج عليه وصلاته صحيحة ولا ينقص ذلك من ثوابه.
يقول فضيلة الدكتور محمود عبد الله العكازي -أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر-:
يجب على المسلم أن يحافظ على الصلاة، وأن يؤديها على الوجه الأكمل مستوفية الأركان والشروط، فإن روح الصلاة الخشوع فيها، وحضور القلب، وتدبر القراءة، وفهم معانيها، واستشعار الخضوع، والتواضع لله عند الركوع والسجود، وامتلاء القلب بتعظيم الله وتقديسه عند التكبير والتسبيح وفي سائر أجزاء الصلاة، وقد ورد في الحديث أن من حافظ على الصلاة وأتمها، تخرج صلاته بيضاء مسفرة، تقول: حفظك الله كما حفظتني، والذي لا يتم الصلاة، تخرج صلاته سوداء مظلمة، تقول: ضيعك الله كما ضيعتني، ثم تلف كما يلف الثوب الخَلِق، فيضرب بها وجهه”.
وقد كان رسول الله ـ ﷺ ـ إذا قام في الصلاة طأطأ رأسه، ولم يكن يشغله عن الصلاة شيء؛ لأن نعيمه وسروره وروحه في الصلاة، فإذا حضرت الصلاة قال: لبلال أرحنا بها، وكان مع إقباله وقربه من الله وحضور قلبه بين يديه لم يكن يشغله ما هو فيه من ذلك عن مراعاة أحوال المأمومين وغيرهم، فكان إذا سمع بكاء الصبي خفف الصلاة، مخافة أن يشق على أمه، وكان يصلي فتجيء عائشة من حاجتها والباب مغلق، فيمشي فيفتح لها الباب، ثم يرجع إلى الصلاة، وكان يصلي على المنبر، ويركع عليه، فإذا جاءت السجدة نزل القهقري –أي رجع للخلف-، فسجد على الأرض، ثم صعد عليه، متفق عليه.
وكان أبو برزة يصلي ومعه فرسه، كلما خطا يخطو معه، خشية أن ينفلت، فإذا فعل المصلي شيئًا من ذلك في الصلاة لم تبطل؛ لأنه عليه الصلاة والسلام التحف بإزاره وهو في الصلاة، وحمل أمامة بنت زينب ـ بنت رسول الله ـ فعن أبي قتادة ـ رضي الله عنه ـ قال: “رأيت رسول الله ـ ﷺ ـ يؤم الناس، وأمامة على عاتقه، فإذا ركع وضعها، وإذا رفع من السجود أعادها”. متفق عليه.
وفي هذا ما يفيد أن العمل المتفرق في الصلاة لا يبطلها إذا كان للحاجة، أما إذا كان الفعل متواليًا من غير ضرورة، وبلا تفريق بطلت الصلاة؛ لأنه يقطع الموالاة، ويمنع متابعة الأركان، ويذهب الخشوع فيها، ويغلب على الظن أنه ليس في صلاة، فقد رأى رسول الله ـ ﷺ ـ رجلاً يعبث بلحيته في الصلاة، فقال: “لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه”.
وعليه فلو تقدم الإمام خطوة نحو مكبر الصوت عند القراءة، والتأخر عنه في الركعة الأولى والثانية لا بأس به، ولا تبطل به الصلاة؛ لأنه فعل ذلك لمصلحة الصلاة، ولا ينافي الخشوع فيها، وحضور القلب، وإن أمكنه ترك ذلك فهو أفضل.