ذهب بعض العلماء إلى جواز إيراد الأحاديث الضعيفة في الوعظ والإرشاد مما يعرف بفضائل الأعمال، حتى تصور كثيرون أن هذا الرأي متفق عليه عند علماء الحديث.
ولا شك أن هذا التصور خطأ كبير، فقد ذهب عدد كبير من المحققين إلى أن الحديث الضعيف لا يعمل به لا في الفضائل ولا في غيرها، وهذا مذهب البخاري، ورجحه الشيخ الألباني في عصرنا.

على أن من أجاز العمل بالضعيف في الفضائل شرط لذلك شروطا مهمة حتى لا يصبح و هو والصحيح سواء، وأبرز هذه الشروط أن يكون الضعف خفيفا، وأن يكون الأصل ثابتا أصلا بغير الحديث الضعيف، وأن يبين الواعظ للناس أن الحديث ضعيف.

هذا، والعلماء المتبحرون في علوم الشريعة لن يحتاجوا أبدا إلى هذه الأحاديث الضعاف ؛ لأن في الصحيح غنية وكفاية، ولكن من يتداولون الأحاديث الضعيفة إنما يستسهلون لشهرة الأحاديث الضعيفة، ولقلة بضاعتهم في الحديث وعلومه.

يقول الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي:-

كثيرًا ما يَسْتَنِد هؤلاء إلى ما اشتهر من أن الحديث الضعيف تجوزُ روايته في فضائل الأعمال والقِصص والترغيب والترهيب، ونحو ذلك.

ونحب أن نُنَبِّه هنا إلى عدة أمور:
الأول: أن هذا الرأي غير مُتَّفَق عليه، فهناك من الأئمة المُعْتَبرين مَنْ رفض الأخذ بالضعيف في كل مجال، سواء فضائل الأعمال وغيرها. وهو مذهب “يحيى ابن معين” وجماعة من الأئمة، والظاهر أنه مذهب “البخاري“، الذي دَقَّق أبلغ التدقيق في شرائط قبول الحديث، و”مسلم”، الذي شنَّع في مقدمة صحيحه على رُواة الأحاديث الضعيفة والمُنْكَرة، وتَرْكهم الأخبار الصحيحة. وهو الذي مال إليه القاضي “أبو بكر بن العربي”، رأس المالكية في عصره، و”أبو شامة”، رأس الشافعية في عصره أيضًا، وهو مذهب “ابن حزم” وغيره.

الثاني: أنه إذا وُجِد في الصحيح والحسن ما يتضمن المعنى المُراد تعليمه أو التذكير به، فلا معنى للُّجوء إلى الضعيف والواهي، فقد أغنى الله بالجيد عن الردئ، وقلما يوجد معنى ديني أو خُلُقي أو توجيهي لا تُوجَد في الصِّحاح والحِسان ما يُوفِيه. ولكن قُصور الهِمَم، وضيق العَطَن، وأخذ أي شيء يجئ في اليد، دون مُعاناة البحث والمُراجعة، جعل الناس يَسْتَسْهِلون رواية الضعيف بإطلاق.

الثالث: أن الحديث الضعيف لا يجوز أن يُضاف إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بصيغة الجَزْم، قال في التقريب وشرحه: وإذا أردتَ رواية الضعيف بغير إسناد، فلا تقل: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: كذا، وما أشبهه من صيغ الجزم، بل قل: رُوِي عنه كذا، أو بلغنا عنه كذا، أو ورد عنه، أو جاء، أو نقل عنه، وما أشبهه من صيغ التمريض، كـ(رَوَى بعضُهم). فما اعتادَه كثير من الخُطباء والوعاظ بتصدير الأحاديث الضعيفة بقولهم: قال رسول الله، أمر مردود.

الرابع: أن العلماء الذين أجازوا العمل بالضعيف في مثل الترغيب والترهيب، لم يفتحوا الباب على مصراعيه لكل ضعيف، وإنما اشترطوا لذلك شروطًا ثلاثة:
1ـ ألا يكون الحديث شديد الضعف.
2ـ أن يَنْدَرِج تحت أصل شرعي معمول به ثابت بالقرآن أو السنة الصحيحة.
3ـ ألا يُعْتَقَد، عند العمل به، ثُبوتُه عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بل يُعْتَقَد الاحتياط.

ومن هذا يَتَبَيَّن أن أحدًا من علماء الأمة لم يفتح الباب على مصراعيه لرواية الأحاديث الضعيفة، بلا قَيْد ولا شرط، بل اشترطوا الشروط الثلاثة المذكورة، فضلاً عن الشرط الأساسي، وهو: أن يكون في فضائل الأعمال ونحوها مما لا يترتَّب عليه حكم شرعي.

وينبغي في رأيي أن يُضاف إلى هذه الشروط شرطان آخران:
1 ـ ألا يَشْتَمِل على مُبالَغات وتَهْوِيلات يَمُجُّها العقل أو الشرع أو اللغة. وقد نص أئمة الحديث أنفسهم أن الحديث الموضوع يُعرَف بقرائن في الراوي أو المَرْوي.

2 ـ ألا يُعارِض دليلًا شرعيًّا آخر أقوى منه.