لما كانت الحلي عينا ينتفع بها منفعة مباحة مقصودة مع بقائها جازت إجارتها ، وقد اتفق الفقهاء على جواز استئجار الأعيان الثابتة بخلاف الأعيان المستهلكة فلا تجوز إجارتها، وهذا ما ذهب إليه جمهور الفقهاء خلافا للمالكية فقالوا إن إجارة الحلي مكروهة.
يقول فضيلة الدكتور حسام عفانه –أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين-:
الإجارة عند الفقهاء عقد معاوضة على تمليك منفعة بعوض. الموسوعة الفقهية 1/252.
ولا خلاف بين الفقهاء أنه يشترط لانعقاد الإجارة أن تقع الإجارة على المنفعة لا على استهلاك العين، وينطبق ذلك على استئجار الحلي الذهبية بالنقود ، فإن العقد وقع على منفعة الحلي وهي التزين بها فيجوز شرعاً استئجار الحلي الذهبية بالنقود وهو قول جمهور أهل العلم وبه قال الحنفية والشافعية والحنابلة وهو قول في مذهب المالكية.
ويجب أن يعلم أن هذه المسألة من باب الإجارة ولا علاقة لها بالربا ، ويشبه ذلك إجارة الأراضي ؛ لأن الحلي عين ينتفع بها منفعة مباحة مقصودة مع بقائها فجازت إجارتها ؛ ولأن الحلي الذهبية من الأعيان الثابتة وقد اتفق الفقهاء على جواز استئجار الأعيان الثابتة بخلاف الأعيان المستهلكة فلا تجوز إجارتها ، فلو استأجر رطلاً من الأرز فالإجارة باطلة.
وأما المالكية فقد كرهوا إجارة الحلي في قول عندهم لأن زكاة الحلي إعارته ؛ ولأنه ليس من شأن الناس وورد عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال : زكاة الحلي إعارته.
وجاء في منح الجليل شرح مختصر خليل من كتب المالكية في تعليل المنع من إجارة الحلي [ لأنه ليس من أخلاق الناس وليس بحرام بين … واستثقله الإمام مالك رضي الله عنه مرة وخففه مرة . ونقل ابن يونس عن مالك ليس كراء الحلي من أخلاق الناس ، معناه أنهم كانوا يرون زكاته أن يعار ، فلذلك كرهوا أن يكرى ].
وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي:[ فصل: فيما تجوز إجارته
تجوز إجارة كل عين يمكن أن ينتفع بها منفعة مباحة مع بقائها بحكم الأصل, كالأرض والدار والعبد, والبهيمة والثياب والفساطيط, والحبال والخيام والمحامل, والسرج واللجام والسيف, والرمح وأشباه ذلك وقد ذكرنا كثيراً مما تجوز إجارته في مواضعه.
وتجوز إجارة الحلي . نص عليه أحمد , في رواية ابنه عبد الله . وبهذا قال الثوري , والشافعي , وإسحاق , وأبو ثور , وأصحاب الرأي. وروي عن أحمد , أنه قال في إجارة الحلي : ما أدري ما هو ؟ قال القاضي : هذا محمول على إجارته بأجرة من جنسه , فأما بغير جنسه , فلا بأس به , لتصريح أحمد بجوازه .
وقال مالك , في إجارة الحلي والثياب : هو من المشتبهات . ولعله يذهب إلى أن المقصود بذلك الزينة , وليس ذلك من المقاصد الأصلية .
ومن منع ذلك بأجر من جنسه , فقد احتج له بأنها تحتك بالاستعمال , فيذهب منها أجزاء وإن كانت يسيرة , فيحصل الأجر في مقابلتها , ومقابلة الانتفاع بها , فيفضي إلى بيع ذهب بذهب وشيء آخر .
ولنا أنها عين ينتفع بها منفعة مباحة مقصودة , مع بقاء عينها , فأشبهت سائر ما تجوز إجارته , والزينة من المقاصد الأصلية ; فإن الله تعالى امتن بها علينا بقوله تعالى :{ لتركبوها وزينة } وقال تعالى : { قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده } وأباح الله تعالى من التحلي واللباس للنساء ما حرمه على الرجال , لحاجتهن إلى التزين للأزواج , وأسقط الزكاة عن حليهن معونة لهن على اقتنائه . وما ذكروه من نقصها بالاحتكاك لا يصح ; لأن ذلك يسير, لا يقابل بعوض , ولا يكاد يظهر في وزن , ولو ظهر فالأجر في مقابلة الانتفاع , لا في مقابلة الأجزاء ; لأن الأجر في الإجارة , إنما هو عوض المنفعة , كما في سائر المواضع , ولو كان في مقابلة الجزء الذاهب , لما جاز إجارة أحد النقدين بالآخر ; لإفضائه إلى الفرق في معاوضة أحدهما بالآخر قبل القبض .] المغني 5/403-404
وقال الإمام النووي [ ذكر الصيمري ثم الماوردي ومتابعوهما هنا أن الأفضل إذا أكرى حلي ذهب أو فضة أن لا يكريه بجنسه بل يكري الذهب بالفضة والفضة بالذهب فلو أكرى الذهب بالذهب أو الفضة بالفضة فوجهان: ( أحدهما ) بطلانه حذراً من الربا ، والصحيح الجواز كسائر الإجارات ، قال الماوردي: وقول الأول باطل ؛ لأن عقد الإجارة لا يدخله الربا ، ولهذا يجوز إجارة حلي الذهب بدراهم مؤجلة بإجماع المسلمين ، ولو كان للربا هنا مدخل لم يجز هذا .] المجموع 6/ 46.
وقال شمس الأئمة السرخسي [ وذكر عن الحسن رحمه الله قال: لا بأس بأن يستأجر الرجل حلي الذهب بالذهب وحلي الفضة بالفضة وبه نأخذ فإن البدل بمقابلة منفعة الحلي دون العين ولا ربا بين المنفعة وبين الذهب والفضة، ثم الحلي عين منتفع به واستئجاره معتاد فيجوز ] المبسوط
وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: [ الأصل إباحة إجارة كل عين يمكن أن ينتفع بها منفعة مباحة مع بقائها ، ولهذا صرح الشافعية والحنابلة بجواز – إجارة – الثياب والحلي للتزين ، فإن النفقة بهما مباحة مقصودة مع بقاء عينها ، والزينة من المقاصد المشروعة ، قال الله تعالى : { قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده } . وجواز إجارة حلي الذهب والفضة بغير جنسه محل اتفاق بينهم، وتردد أحمد فيما إذا كانت الأجرة من جنسها ، وروي عنه جوازه مطلقاً … وكره المالكية إجارة الحلي؛ لأنه ليس من شأن الناس، وقالوا : الأولى إعارته لأنها من المعروف … والجواز مفهوم من قواعد المذاهب الأخرى أيضاً؛ لأن أصل التزين مشروع، والإجارة على المنافع المشروعة صحيحة ] الموسوعة الفقهية الكويتية 11/276.
وقد سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في السعودية، وهو تأجير الحليّ من الذهب والفضة لتلبسه المرأة عند الزواج ثم يعاد بعد أسبوعين مثلاً مع دفع الأجرة فأجابت:
الأصل جواز تأجير الحلي من الذهب والفضة بأحد النقدين أو غيرهما بأجرة ومدة معلومتين ، يرد المستأجر الحلي بعد انتهاء مدة الإجارة ولا بأس بأخذ رهن في ذلك] فتاوى اللجنة الدائمة عن الإنترنت.
وينبغي التنبيه إلى مسألة قريبة من هذه المسألة وهي اقتراض الذهب فيجوز عند العلماء اقتراض الذهب بذهب مثله فيجوز أن يقترض شخص مئة غرام ذهب عيار 21 على أن يردها مئة غرام ذهب عيار 21 وله أن يرد ثمنها في يوم السداد إذا اتفق المتعاقدان على ذلك.
ويدل عليه ما ورد في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنه قال :( كنت أبيع الإبل في البقيع ، فأبيع بالدنانير وآخذ بالدراهم ، وأبيع بالدراهم وآخذ بالدنانير ، فأتيت رسول الله ﷺ فقلت: يا رسول الله ، إني أبيع الإبل بالبقيع فأبيع بالدنانير وآخذ بالدراهم وأبيع بالدراهم وآخذ بالدنانير ، فقال رسول الله ﷺ: لا بأس ، إذا أخذتهما بسعر يومهما فافترقتما وليس بينكما شيء) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد وغيرهم ، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي .
وخلاصة الأمر أنه يجوز استئجار الحلي الذهبية بالنقود وكذا يجوز استقراض الذهب بشرط أن يرد مثله أو قيمته يوم السداد.